طفح الكيل – انتفضن ونحن خلفكن


أدمت الجريمة البشعة بحق فاطمة أبو عكيلك قلوبنا جميعاً. نساءً ورجالاً. فلا يوجد إنسان عاقل قادر على تقبّل هذه الجريمة. لا مبرر لها. لا يمكن لنا استيعابها. كذلك لا يمكننا أن ننكر البعد الاجتماعي والثقافي الممهد لحصولها. ولا يجوز غض البصر عن استفحال الذكورية في مجتمعنا ووصولها إلى درجة الإجرام.

انتفضت نساء الأردن أخيراً ومعهن كل الحق بالانتفاض. طفح الكيل وقد آن له الأوان أن يطفح ويفيض. الإمعان بالظلم وصل إلى درجات لا تحتمل. المرأة معرّضة اليوم لكافة أنواع التعنيف والإذاء الجسدي واللفظي الذي قد يطال حياتها. وكل ذلك مبرر قانونياً واجتماعياً وثقافيّاً دون أي حماية حقيقية. وصمة العار جاهزة لدمغها. وشرفها هش سهل الخدش حتى دون أن يطال عذريتها. والوصاية الذكورية مطلية بغلاف أبوي زائف.

كنت في كل مرة تطرح مواضيع حقوق المرأة للنقاش. خصوصاً تلك المتعلقة بعدم المساواة في القانون. أتساءل لماذا تسكت المرأة الأردنية عن حقّها؟ أوجه سؤالي إلى تلك التي أخوض معها النقاش مستهجناً الحالة المرضية التي وصل مجتمعنا إليه. لماذا تسكتين؟ لما لا تنتفضي؟ لما لا تصرخي؟

وبعد ذلك أشعر بذنب يطالني لطرح تلك الأسئلة. فأي أبله أنا للتغاضي عن كمية النساء المناضلات اللواتي صرخن وانتفضن ودفعن الثمن خلال عقود من العمل النضالي لكي يبقى في مجتمعاتنا شيئاً من الإنسانية ولمسة من العدالة. أي أبله أنا لأوجه إصبعي نحو النساء متّهماً إياهن بالتقصير في حين نعمل جميعاً، نساء ورجالاً، على ترسيخ ذكورية موروثة وثقافة بالية.

نعم انتقضت النساء. نعم طفح الكيل. ونعم علا صوتهن. فلا يجوز السكوت بعد اليوم. فنحن اليوم أمام استحقاق مدني. أمام قرار انساني بمراجعة قيمنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا وقوانيننا بمنظار عصري يحمل شيئاً من العدالة الاجتماعية. ويعترف بالمرأة ككيان مستقل شأنها شأن الرجل. مساو له في الحقوق والواجبات.

المرأة الأردنية اليوم غير الأمس. واعية لحقوقها. واعية لقدراتها. وواعية لقوّتها وقدرتها على الاستقلال. وإن علت بعض الأصوات الجاهلة، بترديد اسطوانة الخطاب الذكوري المعتاد، “ليست من عاداتنا أو قيمنا أو ثقافتنا”. فلنا أن نرد عليهم ونقول أنه حان الوقت لتغيير العادات وتبديل القيم وتقليم الثقافة. فالظلم لم يكن أبداً من شيمنا.

انتفضن ونحن خلفكن.

رواية نادي السيارات تعيد تدوير قصص مبتذلة استهلكتها الرواية العربية


تردد محمود وقبل أن يقرر ما سوف يفعله أضيئت الأنوار فجأة، أغمض محمود عينيه ثم فتحهما وعندئذ رأى مشهدا غريبا، كانت تفيدة السرساوي واقفة في وسط الصالة وهي ترتدي بدلة رقص شرقي.. قطعتان صغيرتان مغطيتان بالخرز والترتر تغطيان صدرها، وحزام من القماش معقود على وسطها، وبينهما نسيج البدلة الشفاف يظهر جسدها الضامر، كان منظرها وهي عارية في بدلة الرقص يثير العطف، بدت بوجهها المتهالك الملطخ بالمكياج وجسدها النحيل وجلدها المنهك وصدرها الممسوح الرمزي، كأنها تقليد ركيك لفكرة الأنثى.. يبدو أنها لم تجد مقاسها فاشترت بدلة رقص واسعة بدت متهدلة وبائسة، انتابت محمود مشاعر متضاربة وراح يتطلع إلى تفيدة في بدلة الرقص وفجأة أطلق ضحكة فسرتها تفيدة على أنها إعجاب فأمعنت في عرضها المرح، رفعت ذراعيها إلى أعلى ودارت دورة كاملة حول نفسها.

رواية نادي السيارات

رواية نادي السيارات

كنت أعد علاء الأسواني من الكتاب المفضلين لي، أحببت كلا روايتيه السابقتين (عمارة يعقوبيان وشيكاغو)، وتطلعت بشوق لقراءة آخر رواياته (نادي السيارات). كنت أعتقد أن حجمها (٦٤٤ صفحة)، وسعرها (١٤ دينار في مكتبة ريدرز) يشيران إلى ثقلها الأدبي وأهميتها الروائية وحجم وشهرة الكاتب، لكنني الآن أرى أن ذلك هو انعكاس لسطوة الأبوية الرأسمالية المتجسدة في كل سطر من الرواية، وكأنها حتى في سعرها تؤكد على الطبقية الإجتماعية التي تطرحها وسطوة الكوو التي تأكدت بأنها مستمرة حتى بعد انتهاء صفحات الرواية.

على الغلاف الخلفي للرواية، يؤكد محرر الكتاب أن هذه الرواية، تماما مثلما اعتدنا من الكاتب في رواياته السابقة، فإن المكان هو بطل الرواية. المكان هنا هو  نادي السيارات الملكي، ولربما نجح الكاتب في نقل صورة معينة للنادي، ولكن على عكس عمارة يعقوبيان، فإن هذه الصورة تفتقد للحياة، فهي تحمل بعدا زمانيا واحدا، وصوتا ثقافيا واحدا. عمارة يعقوبيان، وبالرغم من أن صفحاتها لم تزد عن نصف عدد صفحات نادي السيارات، وسعرها لم يزد عن نصف سعر الرواية الجديدة، إلا أنها اختزلت حالة المجتمع المصري وما طرأ عليه من تغييرات في حقبة زمنية واسعة، كما أنها أعطتنا ألوان ثقافية وتوجهات فكرية مختلفة.

الحق يقال، حين بدأت بقراءة نادي السيارات، شعرت بشيء من متعة القراءة لبساطة وجمالية أسلوب الكاتب الروائية. تلهفت لسبر أغوار هذه الرواية والتعرف عن قرب على شخصياتها. ومع أن المقدمة الغريبة لزيارة اثنين من شخصيات الرواية شدتني، إلا أنها لم تضف شيئا للرواية ولم يتم الإضافة إليها فيما بعد، فظهرت كأنها فكرة مبتورة لا داعي لها. كذلك المقدمة الثانية لحياة كارل بنز أعجبتني بشدة، فهي فكرة ذكية لبداية القصة، لكنها لربما كانت لتعطي تأثيرا أكبر إن تداخلت أحداثها مع أحداث الرواية إلى النهاية بحيث لا تظهر على أنها قصة مفصولة.

بعد المقدمة يقدم لنا الكاتب قصة مصرية تقليدية من الحقبة الملكية تعيد تكرار ما تعودناه من الإنتاج الأدبي لتلك الحقبة. الكاتب لا يأتي بالجديد، فالرواية مليئة بالكليشيهات الأدبية التي استهلكتها الرواية والدراما العربية. الإحتلال الأجنبي، الكره للغرب، الذكورية المتضخمة، الطبقية الإجتماعية، اختزال المرأة بمادة جنسية وإهانتها والتقليل من شأنها، نقد الحكام العرب ولومهم على الحالة المزرية للواقع العربي، كلها أمور تعيد طباعة الثقافة الإجتماعية السائدة من دون أية محاولة لنقدها أو تقديم صورة مخالفة لها.

على العكس، فإن الكاتب، بدل أن يصحبنا في ملحمة روائية تسطر الإنتقال الإجتماعي بعد الثورة المصرية والتخلص من الملك، فهو يملىء صفحات الرواية بحكايات جنسية مهينة للمرأة. وبدل أن يقدم لنا نماذج للمرأة المناضلة في تلك الحقبة ومشاركتها في صراع الحرية وطرد الإحتلال، فها هو يمعن في اختزالها بالجنس حتى بعد وصولها لسن السبعين!

لربما يكون تسليط الضوء على جنسانية المرأة في هذا العمر المتقدم جديدا في الرواية العربية، ولكنت سأحي الكاتب لجرأته بطرح هذا الموضوع. لكنه طرحه بطريقة مبتذلة جدا وبإطار ذكوري بحت. فبنظره، تلك النسوة الهرمة تمارس الجنس بضعف وبحاجة ومن دون أية بوادر لإحترام النفس. كذلك فإن بشاعة هذه النسوة أيضا نابعة من طبقتهم الإجتماعية، إما بسبب انتمائهم الأجنبي، أو الأرستقراطي. تكرار للكره الطبقي التقليدي للثقافة العربية!

فاجأني فعلا علاء الأسواني بهذه الرواية. فبعد بوادر فكر نير ونقد ذاتي للثقافة العربية في عمارة يعقوبيان وشيكاغو، نراه يعيد نقل ميراث ثقافي أتعبنا.

أغنية ضد العنف لمحمد اسكندر دعوة مبطنة للعنف! امتداد لذكورية جمهورية قلبي


يبدو أن النجاح الكبير لأغنية “جمهورية قلبي” الذكورية والمهينة للمرأة دفع بمحمد اسكندر لتكرار التجربة وبشكل اكثر حقارة وبشاعة هذه المرة في أغنية “ضد العنف”. لكن على عكس الأغنية الأولى التي لم ينجحها سوى موسيقتها الجميلة التي غطت على أفكارها السامة، فان الأغنية الجديدة لا تحمل سوى موسيقى رديئة لم تفلح بحمل افكاره المسمومة.

يأتي اسم الاغنية “ضد العنف” بتناقض واضح مع محتواها ولا يمت له بصلة! فهو في الأغنية يحذر من اختفاء “الرجولة” كما يفهمها هو نتيجة لالغاء الخدمة العسكرية  الاجبارية ولغياب القسوة في تربية الأطفال الذكور! هل فعلا نحن بحاجة الى مزيد من القسوة في تربية اطفالنا لخلق جيل جديد من الرجال ممن تحمل مشاكل وأمراض نفسية لا تحصى ولا تعد؟

كما أنه يدعي، وبتفكيره الضيق، أن المرأة اليوم تفتقد للرجل المسيطر في حياتها. فتفكيره الذكوري الدوني للمرأة لا يتحمل فكرة أن هنالك من النساء من يحببن أن تكون علاقاتهم ندية مع شريك حياتهم ومنهم فعلا من تحب القيادة والسيطرة في علاقاتها.

Continue reading →

النائب محمد الشوابكة لا يمثل كل فرد منا لكنه انعكاس لثقافة ذكورية منتشرة بيننا


النائب الاردني محمد الشوابكة يشهر مسدسه في وجه نائب سابق على الهواء مباشرة

منذ زمن لم ينل خبر خارج من الأردن الانتشار والاهتمام الذي ناله خبر اشهار النائب الاردني محمد الشوابكة مسدسه في وجه نائب سابق على الهواء مباشرة في برنامج تلفزيوني. تسابقت قنوات الاعلام الاجنبية حول العالم في نقل الفيديو المصور لهذه الكارثة التي تعد فريدة جدا ولربما احدى العجائب والغرائب العالمية التي ستتناقلها البرامج المعدة للحوادث الغريبة الى امد طويل. الاستياء العام حل في الشارع الاردني وانتفض الاردنيون على المواقع الالكترونية الاخبارية العالمية يحاولون التبرؤ من فعل النائب وشرح للعالم ان فعله لا يمثلنا ولايمثل ثقافتنا وشعبنا.

تلك ردة فعل طبيعية وطنية مطلوبة فعلا، ولكن وبعيدا عن خطابنا الى الاخر ودفاعنا عن أنفسنا، اليس من واجبنا مصارحة أنفسنا ومواجهة الواقع المؤلم؟ فالحدث، وان كان فريدا من جهة حيثية ظهوره على شاشة تلفاز ومنصب أبطال الحدث السياسي، الا انه لم يأتي من فراغ، ولا يعد فريدا ان اجرينا مسحا وطنيا خلال العقود الماضية. فنحن تعودنا أخبار اشهار الاسلحة في وجه الاخر ان كانت ممثلة في العنف الجامعي ام في جرائم الشرف ام في الاشتباكات العشائرية.

Continue reading →

انوثتي الظاهرة حق لي


انوثتي الظاهرة حق لي

كثر الحديث في الاونة الاخيرة عن لباس المرأة في الجامعات الاردنية بعد تغيير واضح بالشارع الاردني خلال السنوات القليلة الماضية باتجاه اكثر محافظة ادى الى تغيير النظرة الاجتماعية لما هو مقبول وغير مقبول من مظهر المرأة في المجتمع الأردني.

ذلك التغيير حصل بسرعة كبيرة تركت العديد من النساء ممن لم تصلهم رسائل الدعوات بالحشمة او لم يتقبلوها لتعارضها مع اعتقاداتهم الخاصة في حالة الدفاع عن النفس اليوم خصوصا مع تحول الخطاب المدعوم بقوة الانتشار من دعوات ناعمة للمرأة بالحشمة الى هجوم مباشر، اتهامات صريحة، وحكم اخلاقي.

اليوم نجد ان خطاب حشمة المرأة تطور من دعوات دينية تحمل الكثير من الاحترام الى خطاب ذكوري مهين ينتقص من حرية المرأة بالاختيار ويتهمها بشرفها.

انتشرت في الاونة الاخيرة ثقافة تحمل المرأة مسؤولية اثارة الرجل جنسيا بشكل يحمل شيئا من الحقيقة والكثير من المنطق الاعوج والافتراء. فالحقيقة ان جسد المرأة يجذب الرجل جنسيا تماما كما يجذب جسد الرجل المرأة جنسيا. تلك حقيقة طبيعية. لكن غير الطبيعي والخاطيء هو الاعتقاد بأن اخفاء جسد المرأة سيؤدي الى زوال الرغبة الجنسية في نفس الرجل، تماما كما ان اخفاء جسد الرجل لن يؤدي الى زوال الرغبة الجنسية في نفس المراة.

Continue reading →