ينتابني عادة نوع من الانبهار عند رؤيتي لإمرأة مكافحة قوية تعبر عن نفسها بطريقة أو بأخرى في مجتمع قيد وسائل التعبير عن النفس وقصقص من أجنحتها. اعتدت ذلك الانبهار لكثرة عدد النساء الأردنيات البطلات المناضلات كلن من موقعها بشكل يومي مختلف من إمرأة إلى أخرى. ليلة أمس، حملتني لانا معها إلى مستوى آخر من الانبهار. إعجاب كبير سمرني في مقعدي مذهولا مشدودا كأنني في حضرة شيء مقدس، كأن خشبات المسرح هيكل كنيسة وكأن جسد لانا ناصر وكلامها آلهة متحركة تحمل من الهم الانساني ما لا يعيه العديد منا.
لعبت لانا في مسرحيتها الحقيبة الحمراء مونودراما رائعة. بنت على مفهوم الهوية وعلاقته باللغة والثقافة والتاريخ. تحولت بجسدها إلى أشكال مختلفة من النساء وانتقلت إلى أماكن عديدة حول الكرة الارضية. أماكن لم تحمل بعدا مكانيا فقط بل أيضا بعدا زمانيا رسم مع حركات لانا الجسدية صور حزينة للأبعاد المشكلة لطبيعة المرأة العربية المسلمة اليوم. خشبة المسرح التي حملت ديكور بسيط وحقيبة حمراء نقلت صورة واقعية عن عالم اليوم بايماءات بسيطة على لسان البطلة. فلانا لم تتحول بجسدها فقط بل أيضا بلسانها اللذي أضاف أبعاد لغوية أعطت عمقا كبيرا للمعاني الكثيرة التي حملتها المسرحية. تنقلت لانا من لغة إلى اخرى راسمة بلسانها الحمل الثقافي للغة ومصورة لنا اختلاف معاني الكلمات وتراكيبها اللغوية عند ترجمتها، فهي بالعادة تخرج من سياقها تبعا للثقافة السائدة لحال متكلمي تلك اللغة.
لم تكتف لانا بكشف الاختلافات اللغوية بين الثقافات بل ابحرت فينا برحلة داخل معجم اللغة العربية وما يحمله ذلك المعجم من كنوز تعرف كل ما له علاقة بالذكر والانثى والعروبة والإسلام. كم أحزنني كشفها للانحياز الصارخ للغة العربية للذكورة على حساب المرأة. للحظات شعرت بنفسي تجاهد لمقاومة الدموع مع تردد الكلمات المختلفة المتحيزة إلى الذكر بحيث بدا أن اللغة العربية لغة ذكورية بحتة وبأن الواقع الحالي الظالم للمرأة العربية ما هو إلا انعكاسا لتاريخ طويل من السيطرة الذكورية ترسخت بإحدى أهم أدوات التواصل الانسانية، لغتنا!
الحقيبة الحمراء عرضت على مسرح البلد كآخر عرض لفعاليات مهرجان آت المسرحي الذي انطلق بمناسبة الاحتفالية بيوم المرأة العالمي الأسبوع الماضي. تلك الحقيبة كانت قد فازت بجائزة ايتل عدنان الشهر الماضي بجدراة واستحقاق فهي تحمل عمق نصي وأداء تمثيلي رائع.
المسرح الاردني مسرح متواضع لكن المواهب الاردنية حاضرة للإبداع بعض النظر عن محدودية الموارد والوسائل المساعدة. لانا ناصر مبدعة اردنية!
[…] way she speaks. Her confidence and deep mesmerizing voice. Some years later, I saw her performing, a full play, all by herself, in a corner of the Swedish Ambassador house inn Amman. And I was impressed. The […]
LikeLike