
منذ وصلت إلى مدينة برايتون البريطانيا قبل نحو شهرين وأنا أبحث عن الحياء العام في شوارع ووسائط نقل هذه المدينة الساحلية التي تحمل تنوعا بشريا لم أعتد على رؤيته في عمان. لم أستطع أن أحمل سيارتي الصغيرة معي إلى هنا، ولذلك فإن الظروف اضطرتني أن أحذو حذو معظم أهل المدينة وأن أستعمل قدمي وباصات النقل العام للتنقل.
أمشي يوميا الى أماكن مختلفة حول مركز المدينة وأتأمل الناس؛ أشكالهم وملابسهم وتعابير وجوههم وتعاملهم مع من يرافقهم الطريق كان انسانا اخر ام كلبا لطيفا. أتغطى تحت طبقات من الملابس خوفا من البرد وأشعر بالراحة والأمان داخل معطفي الأزرق. أكاد أجزم أنه الحل الطبيعي لتحمل برودة الشتاء هنا لولا مشاهداتي لأشخاص يسرحون في الشوارع بتي شيرتات صيفية أو بشورتات تغطي القليل من ساقيهم.
على عكس عمان التي نتبارى فيها لتغطية أجسادنا في حم الصيف، يتبارى سكان برايتون في الكشف عن أجسادهم في عز برودة الشتاء. تمشي بعض النساء هنا بتنانير أو شورتات قصيرة جدا اعتدنا بالتعبير عنها “بأنها تكشف عن أجسادهن” لكنني اليوم لا أجد أن هذا التعبير مناسب. فالأمر يبدو عاديا جدا. أجد نفسي عادة أبحث عن نظرات الشهوة في عيون رجال المدينة لرؤية هذه الأجساد لكنني لا أجدها. أحاول أن أرهف سمعي لعلي أسمع تعليقا جنسيا لكنني لا أسمع. أشاهد مجموعات من الفتيات في لباس السهرة يتمشين بعد منتصف الليل دون خوف من تحرش أو تعدي أو اغتصاب. أراقب إن كان هنالك من رجال معهم لحمايتهم من هكذا أخطار لكنني لا أجد.
أسرح أحيانا في لون الشعر الأزرق لأحد الشباب في الشارع أو لون البنفسجي الغريب مع التسريحة غير المتناسقة لإحدى الفتيات. أنظر بعين فضولية الى أذن ذلك الشباب الممطوطة بشدة بسبب الحلقة الدائرية الكبيرة المزروعة بداخلها. أحتار في السبب الذي دفع آخر الى أن يزرع في وجهه كم المعادن الدائرية. ابتسم لرؤية عشيقان يتبادلان القبلات على حافة الطريق، ولا أجد أحدا يستهجن أو يظهر شعورا بالاشمئزاز عندما يكون العاشقان من نفس الجنس.
في برايتون، أسمع مختلف اللهجات العربية، أسمع الخليجي والمصري والجزائري وغيرهم، كما أسمع لهجات تشبه العربية فأحتار إن كانت تركية أم فارسية أم كردية أم مغربية. تبدو المدينة جامعة للعديد من الأقليات المهاجرة لبلادها الأصلية. حتى اللهجة الانجليزية تشعرني بالحيرة، مع أن اللهجة البريطانيا قد تكون الأكثر تداولا، لكنني أجد صعوبة في تحليل مفردات الانجليزية الهندية، والانجليزية الصينية، والانجليزية الايرلندية واليونانية والاسبانية والايطالية والرومانية والايرانية والمصرية ووو… كل يغني الانجليزية على هواه!
تعجبني حالة المجتمع الذي يحمل مثل هذا الكم من التنوع. يفرحني الراحة التي يشعر بها الأفراد هنا في ارتداء ما يريحمهم دون خوف من اتهام بالتعدي على “حق المجتمع”. الحق العام هنا خارج اطار الملابس. الكل يحترم صفوف الانتظار في الأماكن العامة والمعظم يحمل كم من اللياقة للاعتذار بلطف عند ملامسة اخر بالخطأ في الشارع.
خيارات الفرد الشخصية تبدو أنها غير قادرة على خدش حياء الأخرين، ولا تمتك القوة لاستفزاز رجولة الرجال، أو لزعزعة ايمان المؤمنين
تقاس الحضارات بالتنوع والغنى الثقافي، المظهر العام للمدينة هو انعكاس للثقافة الغربية ولاحترام الخيارات الفردية. هل يصعب علينا محاكاة هذا النموذج؟
Do you have something to say?