مخطيء من يعتقد بأن الثقافة المستوردة من الغرب بشكل عام وأمريكا بشكل خاص هي ثقافة منحلة تقتصر على الاغاني والافلام والاكل والتنولوجيا واللباس والافكار الغريبة عن ثقافتنا الخاصة. مخطيء من يغفل عن قوة المؤسسات الدينية في الغرب وخاصة تلك المؤسسات الموجودة في أمريكا ومدى نفوذها وانتشارها ودفاعها المستميت عن أفكار معينة وثوابت دينية تحمل سمة المحافظة. كما أنه مخطيء من لا يلمس تصدير الأفكار الدينية، الخطاب الديني، ووسائل نشر هذه الخطابات الدينية المسيحية من أمريكا الى الوطن العربي وطمسها بحلة اسلامية في العالم العربي شأنها شان الافكار والوسائل الاخرى المستوردة من الغرب.
انتشار القنوات الدينية في الولايات المتحدة الامريكية ترجم بانتشار للقنوات الدينية في العالم العربي مع انتشار الفضائيات. استخدام الانترنت لمد النفوذ الديني في أمريكا حوكي في العالم العربي. انتشار فكرة الداعية الديني ذا الكريزما الشخصية القوية والقريب من الناس انتقلت من أمريكا الى العالم العربي في الاعوام القليلة الماضية بداية من مصر وعمرو خالد وغيره الكثيرين الى الاردن اليوم من امثال الدكتور أمجد قورشة ووزير الشباب السابق الداعية الديني الدكتور محمد نوح القضاة.
اليوم عرضت على شاشة الام بي سي ٤ حلقة للدكتور أوز(صاحب برنامج للنصائح الطبية) استقبل فيها رجل دين امريكي يعد من أكثر رجال الدين شعبية واهمهم تأثيرا في الولايات المتحدة. ما شد اهتمامي في اللقاء هو طبيعة الحملة التي قرر اطلاقها رجل الدين الامريكي. لم تكن الحملة تركز على اي من الامور التي اعتدناها في الخطابات الدينية التقليدية من تشديد على التحريم وما هو صحيح او خاطيء بناء على ما كتب في الكتاب، بل كانت حملة لمحاربة السمنة ودعوة نحو انسان بصحة جيدة، بداية من القسيس نفسه مطلق الحملة. اعجبني ما نوه اليه بأن الصحة الجسدية مهمة جدا للانسان كي يستطيع انجاز مهامه اليومية الاخرى من عمل وعاطفة وروحانية بشكل افضل. كما اعجبني ما قاله من ان الارادة وحدها لا تكفي لتغيير سلوك الفرد، بل يجب ان يرافقها تغيير في المعتقد الافكار كي يتم تغيير السلوك.
بدا لي وبشكل واضح قوة الخطاب الديني وأهميته وتأثيره في المجتمعات وتساءلت بيني وبين نفسي ان كنا سنرى قريبا انتقالا نوعيا لطبيعة الخطاب الديني في الوطن العربي؟
الدين ليس مشكلة بحد ذاته، ان كان مسيحيا او مسلما او اي دين اخر، ولكن المشكلة احيانا تكون بطبيعة القضايا التي يتبناها الخطاب الديني والتي تعودناها تتمحور حول الحجب والتحريم وتقييد الحريات الشخصية. لا ادري من اين اتى تركيز الجماعات الدينية على تقنيين الاختلاط بين الجنسين، تحجيب المرأة والدعوات الجهادية؟ ربما كان ردة فعل لمحاولات “تحرير” المرأة من الغرب وللاحتلال والهيمنة الغربية. لكنني اتمنى لو يعيد قادة الدين المؤثرين تقييم اولويات خطاباتهم الدينية من منطلق ما يعالج القضايا الاجتماعية الملحة اليوم. لماذا التركيز اليوم على تحجيب المرأة في وقت اضحت معظم نساء الاردن محجبات؟ لماذا لا يتم الانتقال الى دعوة الحد من التدخين مثلا؟ تخيلو كم الارواح التي قد ينقذها داعية بحجم الدكتور أمجد قورشة ان ركز على توعية الشباب من مخاطر التدخين وركز على حملة لوقف عادة نفث الارجيلة المنتشرة بشكل مخيف في مجتمعنا بدل ان يتحفنا بفيديو فج مثل فايعة ومفلسفة او فايع ومفلسف؟
تخيلو لو قام وزير الشباب السابق الدكتور محمد نوح القضاة بالتركيز على أهمية الرياضة للصحة وقام بحملة سماها اركض معنا بدل من حملة اركب معنا؟ تخيلو لو كان هنالك دعوات دينية لنشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه والطاقة في وقت يشكل فقر المملكة من المياه والطاقة اكبر تحدي يواجنا في المملكة في السنوات القليلة الماضية. تخيلو لو قامت فتيات كلية الشريعة في الجامعة الاردنية بمظاهرة ضد التحرش الجنسي بدل تلك الحملة لدعوة الفتيات للتحجب.
الخطاب الديني كان في يوم من الايام يعد من أهم وسائل التنمية الاجتماعية في هذه المنطقة من العالم. وهو مازال يملك من القوة والنفوذ للنهوض بالعالم العربي ورفد مجتمعاتنا بالوقود اللازم للتقدم والانجاز والابداع، لكن عليه ان يخرج من قوقعة الرهاب الجنسي ويعيد ترتيب الاولويات الاجتماعية المطلوب مواجهتها والتصدي لها.

Do you have something to say?