يبدو ان التحول الديمقراطي للربيع العربي يترجم بحرفية حكم الأغلبية دون اية دعائم طورتها الشعوب الاخرى على مدار مئات من السنين للوصول الى ديمقراطية فعالة تجمع بين حكم الاغلبية وبين حقوق الاقليات والحقوق الفردية والحريات الاجتماعية. مع صعود التيارات الاسلامية في الدول العربية، ازدادت المخاوف على الحريات الاجتماعية في هذه الدول نظرا للخطاب الديني المميز لهذه التيارات التي تعطي ثقلا لرأي المجموعة حساب حاجات الفرد واختياراته من منظور ديني معين.
في الأردن بدأنا مؤخرا بمشاهدة نشاط الحراك الاسلامي بعدة أشكال تحمل رايات أخلاقية مبنية أساسا على الجنس والجندر وتؤسس لبدايات تحديد وتقنين للحريات الفردية. من الحملة المدعومة من قناة الحياة ف. م. الدينية للطلب من الحكومة حجب المواقع الاباحية في الاردن، الى حملة الدعوة الى الحجاب لطالبات كلية الشريعة في الجامعة الاردنية “انت ملكة”، الى خبر اليوم بمنع ارتداء الفيزون في الجامعة الهاشمية.

التطور في الخطاب الديني خطير هنا من ناحية نشر دعوة دينية او سلوك ديني معين الى المطالبة بفرض قوانين تسري على الجميع دون تمييز ولا تراعي حق الفرد في الاختلاف او الاختيار. حملة الدعوة للتحجب في الجامعة الاردنية لا تتعارض مع المبادئء الديمقراطية وحقوق الانسان شرط ان يكون هنالك مساحة لتقبل حملات تحمل أفكار مختلفة في نفس السياق. لكن الطلب من الدولة فرض الوصاية الاخلاقية على المواطن ان كان عن طريق حجب المواقع الاباحية او منع\فرض لباس معين على المواطن فان ذلك يعد تعدي صارخ على حقوق الانسان.
المشكلة أن الخطاب الديني الاخلاقي الجنساني مدعوم بثقافة شعبية تحمل تمييز جنسي صارخ ضد المرأة، ولذلك فان أغلب النقاشات التي تتمحور حول العفة والطهارة تحمل المرأة المسؤولية الكاملة وتؤسس لسيطرة ذكورية أكبر من ناحية لباس المرأة، علاقاتها، وتصرفاتها الاجتماعية.
مقال اليوم على صحيفة السوسنة، التي تحمل شعار “صحيفة حرة مستقلة، ويتكلم عن منع ارتداء الفيزون في الجامعة الهاشمية يعكس الحالة الاجتماعية الموجودة من كلام الدكتور الجامعي الذي يبرر المنع بأن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الاخرين، الى التعليقات الذكورية الهمجية البشعة مثل من قال “ان كان الفيزون حرية شخصية فالتحرش واجب وطني”!
لا ادري ان كان هنالك ضعف في تدريس أساسيات المنطق في مدارسنا، لكننا تعودنا التبريرات المبنية على منطق أعوج في الحوارت العامة في شؤون الحريات الفردية. ولذلك نجد استعمال الدكتور الجامعي لمبدأ الحرية يعتمد على فهم خاطيء للحقوق الفردية والاجتماعية، فهو يخلط بين الحق وبين الحرية وبين الاعتداء على حق الانسان في اختيار لباسه وبين حريته بذلك. هو يعطي ثقلا للمشاعر الجنسية الذكورية على حساب حق المرأة في اختيار ملابسها. وأنا هنا أتساءل، منذ متى أصبحت مشاعر الاخرين تملك قوة التحكم في خيارات الفرد الشخصية؟
حمل حجة استثارة المشاعر الجنسية الذكورية من أجل تحديد حريات المرأة هو خطاب يحمل نظرة دونية بشعة للمرأة، خطاب لا يقر بكيان المرأة الانساني الخاص وبحاجاتها ومشاعرها الجنسية الخاصة واختياراتها كافة. لم نسمع يوما عن خطر استثارة المشاعر الجنسية للمرأة خصوصا اليوم ومع انتشار رياضة بناء الاجسام واختيال الشباب الاردني بعضلاتهم المفتولة في الشوارع والجامعات دون اية اعتبار للمشاعر الجنسية للمرأة! لماذا على المرأة أن تتحمل الرهاب الجنسي للمجتمع وتدفع ضريبته من حرياتها الشخصية؟ لماذا لا يتحمله الجنسين؟
ان كان هنالك منع لارتداء الفيزون، فانني أطالب بمنع رياضة كمال الأجسام.
Do you have something to say?