في طفولتي كان أكثر ما يحيرني من التعاليم الدينية في المدرسة هو ما يسمى بخطيئة “الزنا”. في بداية سماعي لهذه الكلمة لم اكن أعي معناها، ولكن حيرتي ازدادت مع نمو معرفتي بماهية هذه الخطيئة وسبب وجودها. كان هنالك سبب منطقي لباقي الخطايا في نظري، فالكل كان مبني على مبدأين أساسين ركز عليهم معلم الدين وقتها وهما محبة الرب الاله من كل قلبك و عقلك، ومحبة قريبك كنفسك. لذلك فان الخطايا الأخرى كالسرقة والقتل وحتى اشتهاء امرأة القريب كان لها مبرر من وجهة نظري لأنها تحمل اعتداء على قريبك، وهو الاخر من وجهة النظر المسيحية كما علمت وقتها. أما الزنا فلم يكن يحمل اعتداء على أي حد، بل هو علاقة جنسية بين رجل وامرأة بالغين لا تحمل الضرر لأي فرد اخر. حاولت حصر مفهوم الزنا والتحريم وقتها بمن هم اصلا في علاقات، كالمتزوج الخائن لامرأته، وعشت مع ذلك المنطق لسنوات الى ان نما وعي اكثر بطبيعة العلاقات الانسانية وتعقيداتها وتلويناتها.
رفضي لشيطنة العلاقات الجنسية في طفولتي قابله ذهول من القيود الاجتماعية التي بدأت تفرض نفسها على علاقاتي مع الجنس الاخر مع نموي. لم اكن ادرك سبب ابتعاد رفيقة الطفولة وامتناعها عن النزول الى ساحة العمارة التي كانت تجمعنا طيلة سنوات جميلة قضيناها في اللعب والمرح. لم اكن لادرك تلك الحواجز التي بدأت تقيد علاقتي بالجنس الاخر. تلك الحواجز بدا انها كانت تُزرع في كل مما حولي لتشكل أشخاص بالغين تحدد ملامحهم قيود اجتماعية موروثة بنت على خطيئة الزنا جبال من الاحمال الاخلاقية.
عالم الكبار، وان بدا من منظور طفل بانه عالم حر، الا انه عالم صعب، تحكمه قيود الاجتماعية رسختها ادوار جندرية بنيت على رهاب موروث للجنسانية. جمالية العلاقة بين الجنسين شوهت في عالم اليوم تحت غطاء وخطاب ديني.

اليوم انتشرت هذه الصورة لشواطيء مصر على الفيسبوك بمحاولة لمقارنة مصر عام ١٩٦٤ ومصر اليوم من ناحية دينية. هنالك من وضح ان هذه الصورة لا تحمل الحقيقة المطلقة، فاليوم على شواطيء مصر قد تجد ما تراه في صورة عام ١٩٦٤، وكذلك في عام ١٩٦٤ كان هنالك من يحمل الصورة الاخرى.
الخطاب العام الذي تحمله هذه الصورة ولربما الوضع العام في العالم العربي اليوم هو تنامي النفوذ الديني، وهو شيء لا يمكن انكاره، وعادة ما يظهر من هذا التنامي التغيير الحاصل في لباس المرأة. لربما انتشار الحجاب والنقاب في المجتمعات العربية بكم هائل كان هو أعظم انجازات الحركات الدينية خلال الخمسون سنة الماضية.
لكنني هنا أتساءل، ان كان انتشار اللباس الديني هو دليل على تنامي الشعور الديني والالتزام الديني في مجتمعاتنا، اين هي القيم الدينية الاخرى؟
اين هي نجاحات الحركات الدينية البعيدة عن قيود الحريات الشخصية؟ هل قل النفاق الاجتماعي؟ هل اختفى الكذب كما اختفت شعور ووجوه واجساد النساء؟ هل اختفى الزنا؟ هل خفت التحرش الجنسي؟ هل أصبح الاغتصاب جريمة من الماضي؟ هل انتهى عهد تعنيف المرأة وضربها وامتهانها؟ هل أصبح الناس أكثر أمانة اليوم؟ هل اختفى السارقون من شوارعنا؟ وهل وهل وهل
اين الحكمة في التركيز دائما على تقييد جنسانيتنا؟ هل اختصرت الاخلاق بالعفة الجنسية؟ وهل اختزل الدين ورجاله كشرطة لتلك العفة؟
لماذا اضحت التعبيرات الطبيعية للمرأة عن جنسها مدعاة للدهشة والغضب والامتعاض؟ كيف أصبح صوت المراة عورة؟ أهو عورة العقول والثقافة والذكورية؟
اليوم يمتد الخطاب الديني ذي البؤرة الجنسية ليطالب الحكومة بحجب المواقع الاباحية على الانترنت دون اي اكتراث لما قد تفتح هذه الدعوات من ابواب لتقييد الحريات المختلفة التي تنفسناها مع دخول الانترنت الى عالمنا. أقوى حججهم هي حماية الأطفال، وهو موضوع مهم يشغل بال جميع الاباء والامهات، ولكن الحلول موجودة وسهلة، وكل واحد منا قادر على تنزيل برامج الحماية من الانترنت او طلبها من مزود الخدمة دون وضع المواطن تحت وصاية الحكومة ودون فرض شرطة أخلاقية يحكمها الرهاب الجنسي.
عقود من الرهاب الجنسي شوهت العلاقات الطبيعية بين الجنسين في مجتمعاتنا، ذيلت اهمية القيم الانسانية الاخرى وعرتنا منها. الى متى؟ والى اين؟ اليس كان من الافضل لو حاربنا من أجل قيمة أبسط بكثير كقيمة الصدق؟
Do you have something to say?