يوم الثلاثاء الماضي حضرت أمسية مناقشة روايتي عروس عمان مع نادي الكتاب انكتاب. كانت جلسة صعبة جدا لي حيث تصاعدت الأمور من بداية كان فيها من الردود الايجابية و السلبية الى مرحلة بدا فيها ان الانتقادات المختلفة ما هي الا هجوم يحمل هدف معين و هو تمزيق الرواية ادبيا، روائيا و اجتماعيا. للحظات شعرت بأنني مريم المجدلية أو رنا في المشهد الفانتازي في الرواية، انتظر تلقي سهام النقد التي انتقلت من شخص الى اخر بعدائية واضحة. شكرت ربي أننا في القرن الواحد و العشرين و بجلسة ثقافية، و الا لكانت تلك الانتقادات حقا حجارة و لكنت اليوم في عداد الموتى!
لا أكتب هذا المقال اليوم هجوما على انكتاب بل رغبة مني بشرح الامور بالطريقة التي بدت لي. حاولت أن أعطي نفسي بضعة أيام لأستعب ما حصل كي لا تكون كتابتي منحازة او تبدو ردة فعل او تحمل بعض مشاعر الغضب التي حاولت كتمها في الجلسة. في الحقيقة، اريد أن أشكر جميع من حضر مرة أخرى و جميع من ادلى بدلوه، فمع أنه كان هنالك العديد من الانتقادات الغير مبررة الا انه كان يوجد انتقادات جيدة تحمل فكرة معينة و دعوة للمراجعة. أنا لا أريد أن أظهر في حالة نكران و اتغاضى عن الصالح من النقد مع الطالح منه، لكنني اريد ان اصل الى مرحلة اعرف فيها ما هو الافضل لي ككاتب، فأنا لم اكن يوما جيدا بالتقيد بتوقعات الاخرين و لربما هذا ما يميزني كمدون و يميز عروس عمان كرواية حملت صورة مختلفة عن الروايات الاخرى ليس فقط بالمحتوى الفكري بل ايضا بالاسلوب السردي و الاختيار اللغوي.
أحاول أن لا ألقي اللوم على احد في ما حصل و لكن جزء مني يشعر أن من قام على ادارة الحوار كان يوجهه بالطريقة التي انتهى بها، فمن الواضح أن شادن كانت منحازة برأيها مع المجموعة التي لم تعجبها الرواية. اعتذر منك شادن لكنني اقولها بسعة صدر.
في الحقيقة و مع كم الغين و مشاعر الغضب التي اصابتني في الجلسة الا انني وجدت نفسي اشعر بالسعادة بعد انتهائها، فأنا أيقنت بأن الجلسة كانت مفيدة للجميع من ناحية او اخرى و بأن كل منا حمل معه شيئا للتفكير به. بالنسبة لي، فانني تفهمت كم الاستفزازية في نقد الرواية فظهر لي بوضوح اكثر كم الاستفزاز الذي تحمله الرواية ابضا لمجموعة من الاشخاص يحاولون الحفاظ على هوية معينة و فكر معين. لربما كنت قد تماديت بصرخات شخصيات روايتي بحيث بدا انها تهدد وجود اشخاص يحملون هوية معينة فجاءت ردة فعلهم دفاعا عن هويتهم و افكارهم عوضا عن التعاطف مع الحالات الانسانية في الرواية. ذلك موضوع مهم للغاية و يحمل ابعادا كثيرة يجب التفكير بها عند محاولة الضغط نحو تغيير اجتماعي معين، فنحن جميعنا، كما ننادي بالحريات الفردية او بالحفاظ على ثقافة سائدة، يهمنا الخير العام، و لعلنا جميعا نتمنى مجتمع يحمل تسامحا اكير، تقبلا للاخر اكثر، و حبا اكبر.
جلسة الحوار طرحت موضوعات مهمة جدا للتأمل و التفكير، لعل أهمها موضوع اللغة العربية. السؤال هو: ما هي اللغة العربية؟ و هل هي لغة ثابتة لم تتطور عبر العصور؟ و هل تحمل معاني الكلمات السائدة في العصور المختلفة نفس المعاني اليوم؟ هل هنالك تطور في القالب اللغوي مع تطور مفردات اللغة؟ و هل من شعر بسلاسة لغة عروس عمان و جمالياتها هو شخص غير مثقف و غير قاريء كما ادعى بعض الاشخاص بطريقة استعلائية في النقاش؟ أنا لا اعتقد ان لغة الرواية يجب ان تكون نخبوية، خصوصا لغة تلك الروايات العصرية التي تحاكي الواقع السائد و تكلم المتلقي الحاضر.
هنالك ثلاثة محاور لمناولة موضوع اللغة في عروس عمان: المحور الاول و هو الاخطاء الاملائية و النحوية، و انا اعتذر عنها و اتمنى تداركها في الطبعة الثانية. المحور الثاني و هو استعمال العامية في الحوار، و هو خيار شخصي اتخذته بدا لي مناسبا للرواية. المحور الثالث هو ادخال مفردات عامية في التراكيب الفصحة، و هو شيء انا ادعمه ايضا، فمفردات اللغة العربية غير محدودوة، و مفرداتنا اليوم في الشارع هي امتداد لهذه اللغة و اضافة اليها.
في النقاش طرحت موضوعات مختلفة لنقد الاسلوب السردي، حبكة القصة، عمق الشخصيات و التطور الدرامي. ظهرت بعض الامور التي تستحق التفكير بها من النقاش كالمطالبة بوصف اكبر لمواضيع مختلفة و بأماكن مختلفة. أنا احترم جميع الاراء لكنني أرى العمل الروائي على أنه عمل فني. الرواية ليست بحاجة لأن تكون عمل ملحمي، فهي تنقل صورة معينة عن الواقع بشكل فني، و انا اعتقد انها تحمل صورة فنية جميلة ان كان في لغتها ام كان في تركيبها و محتواها.
ربما حملت عروس عمان شبها للشكل الذي تعودنا عليه بالتدوين، فالفصول القصيرة هي سمة للرواية، أجدها سمة تضيف لها، لا تأكل منها.
أما الافكار التي طرحتها الرواية، و ان كانت جريئة، الا انها مطروحة في المجتمع العماني اليوم. أتفهم الهجوم من البعض، فأنا أحيان اجد نفسي استفز من بعض الاعمال الفنية المطروحة. اعطيكم مثالا اغنية جمهورية قلبي لمحمد اسكندر، فهي كأغنية تعد أغنية جميلة لما تحمله من لحن رائع جعلها تنتشر بشكل مخيف العام الماضي، لكنني أجدها أسوأ أغنية عربية في ذلك العام لما تحمله من فكر دوني للمرأة. لو كانت هنالك جلسة مع المغني، لكنت اول الحاضرين لمهاجمته. و لذلك فانني اتساءل، و كما طرح السؤال في الجلسة، هل احبت الناس عروس عمان ام كرهتها للطرح الاخلاقي الذي تحمله؟
في النهاية اشكر جميع الحضور ممن حضروا حبا للرواية او كرها لها.

Do you have something to say?