رواية نادي السيارات تعيد تدوير قصص مبتذلة استهلكتها الرواية العربية


تردد محمود وقبل أن يقرر ما سوف يفعله أضيئت الأنوار فجأة، أغمض محمود عينيه ثم فتحهما وعندئذ رأى مشهدا غريبا، كانت تفيدة السرساوي واقفة في وسط الصالة وهي ترتدي بدلة رقص شرقي.. قطعتان صغيرتان مغطيتان بالخرز والترتر تغطيان صدرها، وحزام من القماش معقود على وسطها، وبينهما نسيج البدلة الشفاف يظهر جسدها الضامر، كان منظرها وهي عارية في بدلة الرقص يثير العطف، بدت بوجهها المتهالك الملطخ بالمكياج وجسدها النحيل وجلدها المنهك وصدرها الممسوح الرمزي، كأنها تقليد ركيك لفكرة الأنثى.. يبدو أنها لم تجد مقاسها فاشترت بدلة رقص واسعة بدت متهدلة وبائسة، انتابت محمود مشاعر متضاربة وراح يتطلع إلى تفيدة في بدلة الرقص وفجأة أطلق ضحكة فسرتها تفيدة على أنها إعجاب فأمعنت في عرضها المرح، رفعت ذراعيها إلى أعلى ودارت دورة كاملة حول نفسها.

رواية نادي السيارات

رواية نادي السيارات

كنت أعد علاء الأسواني من الكتاب المفضلين لي، أحببت كلا روايتيه السابقتين (عمارة يعقوبيان وشيكاغو)، وتطلعت بشوق لقراءة آخر رواياته (نادي السيارات). كنت أعتقد أن حجمها (٦٤٤ صفحة)، وسعرها (١٤ دينار في مكتبة ريدرز) يشيران إلى ثقلها الأدبي وأهميتها الروائية وحجم وشهرة الكاتب، لكنني الآن أرى أن ذلك هو انعكاس لسطوة الأبوية الرأسمالية المتجسدة في كل سطر من الرواية، وكأنها حتى في سعرها تؤكد على الطبقية الإجتماعية التي تطرحها وسطوة الكوو التي تأكدت بأنها مستمرة حتى بعد انتهاء صفحات الرواية.

على الغلاف الخلفي للرواية، يؤكد محرر الكتاب أن هذه الرواية، تماما مثلما اعتدنا من الكاتب في رواياته السابقة، فإن المكان هو بطل الرواية. المكان هنا هو  نادي السيارات الملكي، ولربما نجح الكاتب في نقل صورة معينة للنادي، ولكن على عكس عمارة يعقوبيان، فإن هذه الصورة تفتقد للحياة، فهي تحمل بعدا زمانيا واحدا، وصوتا ثقافيا واحدا. عمارة يعقوبيان، وبالرغم من أن صفحاتها لم تزد عن نصف عدد صفحات نادي السيارات، وسعرها لم يزد عن نصف سعر الرواية الجديدة، إلا أنها اختزلت حالة المجتمع المصري وما طرأ عليه من تغييرات في حقبة زمنية واسعة، كما أنها أعطتنا ألوان ثقافية وتوجهات فكرية مختلفة.

الحق يقال، حين بدأت بقراءة نادي السيارات، شعرت بشيء من متعة القراءة لبساطة وجمالية أسلوب الكاتب الروائية. تلهفت لسبر أغوار هذه الرواية والتعرف عن قرب على شخصياتها. ومع أن المقدمة الغريبة لزيارة اثنين من شخصيات الرواية شدتني، إلا أنها لم تضف شيئا للرواية ولم يتم الإضافة إليها فيما بعد، فظهرت كأنها فكرة مبتورة لا داعي لها. كذلك المقدمة الثانية لحياة كارل بنز أعجبتني بشدة، فهي فكرة ذكية لبداية القصة، لكنها لربما كانت لتعطي تأثيرا أكبر إن تداخلت أحداثها مع أحداث الرواية إلى النهاية بحيث لا تظهر على أنها قصة مفصولة.

بعد المقدمة يقدم لنا الكاتب قصة مصرية تقليدية من الحقبة الملكية تعيد تكرار ما تعودناه من الإنتاج الأدبي لتلك الحقبة. الكاتب لا يأتي بالجديد، فالرواية مليئة بالكليشيهات الأدبية التي استهلكتها الرواية والدراما العربية. الإحتلال الأجنبي، الكره للغرب، الذكورية المتضخمة، الطبقية الإجتماعية، اختزال المرأة بمادة جنسية وإهانتها والتقليل من شأنها، نقد الحكام العرب ولومهم على الحالة المزرية للواقع العربي، كلها أمور تعيد طباعة الثقافة الإجتماعية السائدة من دون أية محاولة لنقدها أو تقديم صورة مخالفة لها.

على العكس، فإن الكاتب، بدل أن يصحبنا في ملحمة روائية تسطر الإنتقال الإجتماعي بعد الثورة المصرية والتخلص من الملك، فهو يملىء صفحات الرواية بحكايات جنسية مهينة للمرأة. وبدل أن يقدم لنا نماذج للمرأة المناضلة في تلك الحقبة ومشاركتها في صراع الحرية وطرد الإحتلال، فها هو يمعن في اختزالها بالجنس حتى بعد وصولها لسن السبعين!

لربما يكون تسليط الضوء على جنسانية المرأة في هذا العمر المتقدم جديدا في الرواية العربية، ولكنت سأحي الكاتب لجرأته بطرح هذا الموضوع. لكنه طرحه بطريقة مبتذلة جدا وبإطار ذكوري بحت. فبنظره، تلك النسوة الهرمة تمارس الجنس بضعف وبحاجة ومن دون أية بوادر لإحترام النفس. كذلك فإن بشاعة هذه النسوة أيضا نابعة من طبقتهم الإجتماعية، إما بسبب انتمائهم الأجنبي، أو الأرستقراطي. تكرار للكره الطبقي التقليدي للثقافة العربية!

فاجأني فعلا علاء الأسواني بهذه الرواية. فبعد بوادر فكر نير ونقد ذاتي للثقافة العربية في عمارة يعقوبيان وشيكاغو، نراه يعيد نقل ميراث ثقافي أتعبنا.

هل الرجل والمرأة متساويان؟


اعتدنا عند الحديث عن حقوق المرأة رفع شعار المساواة بين الجنسين كأحد الأهداف البديهية التي تنادي بها المرأة بعد عقود من التهميش والتحجيم والهيمنة الممنهجة لجنس الإناث. المساواة أمام القانون، بالمنطق العام، يعد أساس العدالة الإجتماعية، ليست المساواة بين الجنسين فقط بل أيضا المساواة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، المساواة بين الأشخاص من أتباع المعتقدات المختلفة، المساواة بين الأفراد من الأصول والمنابت والأعراق المختلفة، أي المساواة بشكل عام.

في المقابل، فإننا أيضا عند الحديث عن حقوق المرأة اعتدنا أن نرى جهابزة المفكرين يبدعون بالخروج بحلول شبه منطقية للوقوف في وجه هذه الحقوق والحؤول دون تحصيلها. من أهم هذه الإبداعات الفكرية في الآونة الأخيرة هو ذلك الخطاب الشبه ذكي الذي ينسف أساس المطالبة بحقوق النسوة ويقر بأن الرجل والمرأة قد خلقوا غير متساوين أصلا، فكيف لنا أن ننادي بمساواتهم؟ المنطق بسيط، مساواة من هو ليس متساو يعد ظلما، وبالتالي الطرح العام لشعار المساواة يعد ظالما بحد ذاته!

فعلا، للوهلة الأولى يبدو منطقا بسيطا، يحمل شيئا، وأقول هنا شيئا، من الذكاء وبالتالي سهولة بالإقناع والنشر. ذلك فإننا أصبحنا نرى قادة دينية مثل وزير الشباب السابق الشيخ محمد نوح القضاة لا يتوان في استعماله في برنامجه على التلفزيون الأردني أمام عشرات الآلاف من المتابعين. عشرات الآلاف من ورثة العقلية الذكورية الجالسين خلف أجهزة التلفاز داخل منازلهم يحيون الشيخ على ذكائه الخارق الذي، وبمنطق بسيط، حمانا من هجمة الغرب ومن المؤامرة التي تحاك على عاداتنا وتقاليدنا العربية وديننا الإسلامي. فميراثنا الثقافي يقر بأدوار جندرية محددة يجب أن يلعبها جميع الرجال وبأدوار أخرة يجب أن تلتزم فيها كل النسوة، فأي حديث عن كسر لهذه الأدوار الجندرية يعد إرهاصا بحد ذاته.

لكن لنعود إلى منطق المساواة أمام القانون، ولنأخذ صفة إنسانية أخرى غير صفة الجنس على سبيل المثال. لنتكلم عن الطول. لنصنف الرجال إلى فئتين، فئة طوال القامة من طول ١٧٥سم إلى ٢٠٠سم وفئة قصار القامة من طول ١٥٠سم إلى ١٧٥سم. ولنسأل أنفسنا يا أعزائي القراء: هل يجوز المساواة بين هاتين الفئتين اللتين خلقتا غير متساويين؟ من الوهلة الأولى ممكن أن نفترض بأن الرجال طوال القامة هم جسديا أكثر قوة من الرجال قصار القامة، وبشيء من المبالغة ممكن أن ندعي بأنهم أكثر وسامة (لأن الذوق العام يفضل الرجال ذوي القامة الفارهة)، وبكثير من المبالغة وبتطويع المنطق ممكن أن ندعي بأنهم أكثر ذكاء أيضا، وممكن أن نعطي دلائل تثبت ذلك من دراسات إحصائية تجد علاقة مباشرة بين طول القامة ودخل الرجل. بالمختصر المفيد، هاتين الفئتين من الرجال غير متساوين، وبالتالي حسب منطق أعداء مساواة الرجل بالمرأة عليهم أن يدعموا قوانين مميزة للرجال طوال القامة.

قد يرفض البعض المثال ولا يرى المنطق من ورائه ولذلك فإنني سأحاول التوضيح أكثر هنا. التكلم عن صفة الطول لا يختلف أبدا عن التكلم عن صفة الجنس، فالتمييز بين البشر يمكن أن يكون أساسه صفة إنسانية واحدة تبنى عليها افتراضات مختلفة. قد يظن البعض بأن هنالك لا أساس لمقارنة هاتين الصفتين، فالطول كما يراه الجميع يأتي بدرجات مختلفة، بينما الجنس في العرف العام لا يأتي سوى في شكلين إثنين وهذا عرف خاطىء. الجنس بيولوجيا يعرف بالأعضاء التناسلية، وبدقة أكبر حجم تلك الأعضاء التناسلية. فالاختلافات البشرية بحجم الأعضاء التناسلية هو تماما نفس الإختلاف في صفة الطول بين البشر. في المثال أعلاه قسمت الرجال إلى طوال قامة وقصار قامة مع أنه يوجد نقطة التقاء مشتركة هي طول ال ١٧٥سم، هي نفسها النقطة التي نسميها عادة بالجنس الثالث عند مقاربة مثالي الطول والجنس. يعني لو اختزلنا فئة الرجال طوال القامة في صورة رجل واحد طوله ١٨٥سم وسميناه سين، وعلى نفس المنوال اختزلنا قصار القامة في صورة رجل واحد طوله ١٦٠سم وسميناه صاد، فإن الصورة المعيارية لسين وصاد ستشكل أساس الفئتين وبالتالى فإن سين، الصورة الأبهى لفئة الرجال الطوال لا يمكن أن تتساوى أبدا مع صاد، الصورة الأبهى لفئة الرجال القصار، وكذلك فإن نقطة الإلتقاء يمكن انكارها وشيطنتها، أو إضافة أو طرح سم من الطول للرجال ذوي الطول ١٧٥سم كي لا يتم خلط الأمور ومساواة من هم أصلا غير متساويين!

قد أكون عقدت الأمر بدلا من تبسيطه، ولكن المنطق عادة يكون أكثر صحة حين يرى من أبعاد مختلفة، فالنقطة في بعد واحد قد تكون سطرا في بعدين. ولأكمل الفكرة هنا، فإن الأعضاء التناسلية تختلف في الحجم بين البشر ونقطة الإلتقاء بين الذكر والأنثى هو ما نعرفه عادة بالجنس الثالث، ولكن في الواقع فإن الذكر هنا يشبه سين في مثال الطول، كلمة ذكر تختذل فئة معينة تحمل تباين كبير في الأعضاء التناسلية، وكذلك هي الأنثى في اللغة تشبه الصاد في المثال وتشير الى فئة واسعة.

بالمختصر، الجنس هو صفة انسانية واحدة كأية صفة انسانية أخرى والتماهي في الصفات الأخرى بين أبناء الجنس الواحد أكبر منه بين الجنسين. يعني اختلاف القدرات العضلية مثلا بين الذكور قد يكون أوسع من اختلاف القدرات العضلية بين ذكر معين وانثى معينة، فهنالك من الاناث من يفوقون الذكور بالقدرة العضلية، وذلك لا يحولهم بيولوجيا إلى ذكور أبدا. على نفس المنوال كذلك هو الاختلاف في كل الصفات الانسانية الأخرة كالطول والذكاء والعاطفة وووو.

في النهاية فإن اختزال فئة واسعة بشكل واحد والتمييز ضدها على هذا الأساس هو الظلم بعينه. فعلا، أحيانا تكون المساواة بين من هم غير متساويين غير عادلة، وهنا يمتد هذا ليشمل عدم التساوي بين أبناء الجنس الواحد، ولكن القانون عادة يكون أشمل من هذه الاختلافات الفردية وأوسع ليضم الجميع تحت رايته.

احسبها صح للدكتور أمجد قورشة بحاجة لاعادة حساب


وهذا تماما أختي الفاضلة، لمّا تخرجي في اللباس الفاضح والمغري والمثير للغرائز. أنت تسهمين في تخريب الصفاء الذهني للرجل. وتدفعينه للتفكير بطريقة خاطئة جدا بحقك وبحق كل النساء وتؤدي الى تفتيت الأسرة وخرابها، مش بسببك انت شخصيا، لأ. لكن انت وكل من تفعل فعلك بأدي في النهاية الى نتائج كارثية على المجتمع مشان هيك جاء الامر الالهي الك اختي الكريمة بضرورة الحجاب. أرجو أن نكون مع بعض من اللي بفعلو قانون السفينة بأرقى طريقة، ونكون حسبناها صح.

الدكتور الداعية أمجد قورشة يقدم برنامج على يوتيوب تحت عنوان “احسبها صح” . يحاول به أن يخاطب الشباب بلغتهم حسب ما يفهمها من أجل اصلاح ديني للمجتمع. لكن المتتبع لسلسلة فيديوهات الدكتور يجد أن النظرة الذكورية والتعصب الاجتماعي يطغيان على خطابه الديني ويجرده من روحانياته وجمالياته وحتى من منطقه. فمثلا تجد هذا الفيديو الذي هو مبني أساسا على مثل ديني جميل، قانون السفينة، و يسلط الضوء على أهمية التعاضد الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد من أجل مجتمع سليم يتحول الى هجوم على مفهوم الحريات الشخصية، هجوم على الثقافة الغربية، دعوة الى نبذ من يتخلف اجتماعيا لسبب او لاخر، واختزال للمرأة بقالب جنسي وهجوم غير مبرر عليها.

مبدأ التعايش هو مبدأ أساسي في أية تركيبة اجتماعية نظرا للاختلافات الجميلة بين الناس. هذا المبدأ لا يتعارض أبدا مع مفهوم الحرية الشخصية التي هي يجوهرها، ان حسبناها صح، لا تحمل أية تعدي على حريات الاخر بل تحمل احترام الفرد لخياراته الشخصية وكينونته بقدر احترامه لخيارات الاخر الشخصية وكينونته. الاحترام المتبادل لاختيارات الاخر أساس بناء مجتمع سليم قادر على حمل السفينة والابحار بها الى بر الامان. لكن تخيلوا يا أصدقاء لو وجدنا أنفسنا على ظهر سفينة مع أمجد قورشة، وكان أعضاء السفينة أشخاص تجمعوا من حول العالم، كما هي حال المجتمعات اليوم في المدن الكبيرة، وجاء الأخ أمجد يشتهم ويهين كل واحد منا لاختلافه عنه في الشكل والملبس او حتى في الطريقة التي يقوم بها بمهامه على ظهر هذه السفينة. هل ستنجو تلك السفينة وتصل بنا الى بر الامان؟ يعني لو الصيني ركب راصو والامريكي ركب راصو والالمانية ركبت راصها والاوغندية ركبت راصها، شو ممكن يصير؟

اليس من الاولى احترام حرية الفرد في الاختيار طالما هو يقوم بواجباته الاجتماعية باكمل وجه دون تعدي منه على الواجبات او الحقوق الاجتماعية للاخر؟

أمجد قورشة يخلط بين مفهوم الحرية الشخصية وبين مفهوم المسؤولية الاجتماعية ليبني تناقد غير موجود ومن ثم يرش رشّة دين بذكر الحجاب ويلطّخها بذكورية بشعة بتحميل المرأة مسؤولية اثارة الرجل و”تعكير صفاءه الذهني”، وكأن الرجل سيفقد شهوته الجنسية ان اختفت المرأة عن ناظره!

انا بصراحة أحاول أن أفهم كيف حسبها “صح” الدكتور. عمره جرّب يحبس رجل في غرفة لمدة أسبوع من دون أية نوع اثارة، من دون أية صورة لأمرأة فاتنة تخرب من صفائه الذهني، وقاس التغيير الطاريء في الشهوة والرغبة الجنسية مع مرور الوقت؟ هل جرّب وضع قاريء في عقل الرجل يصور لنا خياله الخصب من تعرية وممارسة جنسية وشهوات لأمرأة قد لا يكون قد رأى منها سوى عينيها؟ أو ربّما شكلها كلها على هواه وتاه في سراديب لباسها الفاضح وتضاريسها المثيرة للغرائز!

هل كان من الأفضل له لو حسبها “أصح” ودعا الرجال الى غض البصر وتحمل مسؤولية شهواتهم الجنسية وغرائزهم الطبيعية وخيالهم الخصب؟ لماذا تتحمل المرأة العربية مسؤولية جسدها وشهواتها الحنسية وغرائزها الخاصة من دون شكوى او تعدي على حرية الرجل باختيار ما يناسبه او لا يناسبه من لباس او شكل خاص؟

لماذا لا نحسبها صح ونطبق قانون السفينة بارقى طريقة باحترام نسائنا وبتحميل رجالنا مسؤولية شهواتهم وحاجاتهم الجسدية؟

حقيبة لانا ناصر الحمراء إبداع حقيقي وعمق إنساني


لانا ناصر في الحقيبة الحمراء

ينتابني عادة نوع من الانبهار عند رؤيتي لإمرأة مكافحة قوية تعبر عن نفسها بطريقة أو بأخرى في مجتمع قيد وسائل التعبير عن النفس وقصقص من أجنحتها. اعتدت ذلك الانبهار لكثرة عدد النساء الأردنيات البطلات المناضلات كلن من موقعها بشكل يومي مختلف من إمرأة إلى أخرى. ليلة أمس، حملتني لانا معها إلى مستوى آخر من الانبهار. إعجاب كبير سمرني في مقعدي مذهولا مشدودا كأنني في حضرة شيء مقدس، كأن خشبات المسرح هيكل كنيسة وكأن جسد لانا ناصر وكلامها آلهة متحركة تحمل من الهم الانساني ما لا يعيه العديد منا.

لعبت لانا في مسرحيتها الحقيبة الحمراء مونودراما رائعة. بنت على مفهوم الهوية وعلاقته باللغة والثقافة والتاريخ. تحولت بجسدها إلى أشكال مختلفة من النساء وانتقلت إلى أماكن عديدة حول الكرة الارضية. أماكن لم تحمل بعدا مكانيا فقط بل أيضا بعدا زمانيا رسم مع حركات لانا الجسدية صور حزينة للأبعاد المشكلة لطبيعة المرأة العربية المسلمة اليوم. خشبة المسرح التي حملت ديكور بسيط وحقيبة حمراء نقلت صورة واقعية عن عالم اليوم بايماءات بسيطة على لسان البطلة. فلانا لم تتحول بجسدها فقط بل أيضا بلسانها اللذي أضاف أبعاد لغوية أعطت عمقا كبيرا للمعاني الكثيرة التي حملتها المسرحية. تنقلت لانا من لغة إلى اخرى راسمة بلسانها الحمل الثقافي للغة ومصورة لنا اختلاف معاني الكلمات وتراكيبها اللغوية عند ترجمتها، فهي بالعادة تخرج من سياقها تبعا للثقافة السائدة لحال متكلمي تلك اللغة.

لم تكتف لانا بكشف الاختلافات اللغوية بين الثقافات بل ابحرت فينا برحلة داخل معجم اللغة العربية وما يحمله ذلك المعجم من كنوز تعرف كل ما له علاقة بالذكر والانثى والعروبة والإسلام. كم أحزنني كشفها للانحياز الصارخ للغة العربية للذكورة على حساب المرأة. للحظات شعرت بنفسي تجاهد لمقاومة الدموع مع تردد الكلمات المختلفة المتحيزة إلى الذكر بحيث بدا أن اللغة العربية لغة ذكورية بحتة وبأن الواقع الحالي الظالم للمرأة العربية ما هو إلا انعكاسا لتاريخ طويل من السيطرة الذكورية ترسخت بإحدى أهم أدوات التواصل الانسانية، لغتنا!

الحقيبة الحمراء عرضت على مسرح البلد كآخر عرض لفعاليات مهرجان آت المسرحي الذي انطلق بمناسبة الاحتفالية بيوم المرأة العالمي الأسبوع الماضي. تلك الحقيبة كانت قد فازت بجائزة ايتل عدنان الشهر الماضي بجدراة واستحقاق فهي تحمل عمق نصي وأداء تمثيلي رائع.

المسرح الاردني مسرح متواضع لكن المواهب الاردنية حاضرة للإبداع بعض النظر عن محدودية الموارد والوسائل المساعدة. لانا ناصر مبدعة اردنية!