الاحتفاء بالتنوع الجنسي نشرٌ للمعرفة لا اعتداء على هوية دينية أو قومية


بمناسبة شهر الفخر تحتفل الشركات العالمية بالتنوع الجنسي وتقوم عدد كبير منها باستبدال اللوغو الخاص بالشركة بواحد يحمل الوان الطيف كدلالة على دعمها للتنوع البشري ودعوة منها لتقبّل الآخر، أو تقوم بتطوير محتوى دعائي توعوي يحمل الرسالة ذاتها. وعلى نفس المنوال، نرى شركات تطوير المحتوى العالمية مثل نتفليكس وديزني وصناعة الأفلام في هوليوود بشكل عام تحاول رفع الوعي واظهار التنوع الطبيعي بين البشر في الشخصيّات التي تعرضها، وذلك ادراكاً منها أن ذلك يعكس صورة أقرب إلى الواقع والحقيقة من الصورة المزيّفة التي اعتدنا رؤيتها في الانتاج الثقافي في السابق.

الأمر ليس مؤامرة عالمية ولا أجندة تسيّرها جهات معيّنة للنيل من منظومة القيم العربية والإسلامية، بل هو في الحقيقة أبسط من ذلك بكثير، وفي الواقع يندرج تحت بند نشر المعرفة. وطلب المعرفة في حد ذاته قيمة إنسانية عالمية ليست حكراً على ثقافة معيّنة أو بيئة معيّنة. ولا تتعارض بأي شكل من الأشكال مع هويّة الأفراد في أمّة “إقرأ”. فالمعرفة البشرية في تطوّر مستمر، والوعي في الصفات المختلفة المكوّنة للجنسانية البشريّة والتنوّع الكبير في تلك الصفات ازداد بشكل كبير في العالم خلال السنوات الماضية.

لا يعيب الفرد أن يحكم أخلاقيّاً على أمر ما بناء على معرفة معيّنة غير مكتملة الأبعاد ولا يعيبه أن يغير حكمه الأخلاقي حين تتضح الصورة له ويتطور وعيه المعرفي، وذلك لن ينتقص من هويّته الدينية أو القومية ولا من منظومة الأخلاق التي تشكل هذه الهويّات. والأولى بنا أن نحارب اختزال الغنى الأخلاقي في هوياتنا العربية والإسلامية برفض ما نراه نتاج ثقافة أخرى.

علينا أن نعي أن الإنسان يتشكّل من مجموعة من الصفات المختلفة، آلاف من الصفات، وهذه الصفات تأتي بتنوع كبير، فلا وجود لصفة إنسانية ثنائية التجسد، لأن الشيفرة الوراثية لا تعمل بآلة رقمية لتعطينا قيمتي الصفر والواحد، بل هي أشبه بالآلة الآنالوج حيث تتم قراءة بيانات الشيفرة الوراثية وانتاج الصفات البشرية بناء على معطيات عديدة، مما يتيح تجسيدها بأنواع مختلفة لا تعد ولا تحصى. وكل صفة من هذه الصفات تحتمل ما هو مقبول في ثقافة معينة وما هو غير مرحب به، من الاختلاف في صفة لون البشرة إلى الاختلاف في طول الأفراد أو أوزانهم أو غيرها من الصفات النفسية كالانفتاح على الآخر وسرعة الغضب وطريقة التفاعل الاجتماعي وووو..

والحقيقة أن الصفات المشكلة لجنسانية الفرد تحمل نفس التنوع وهي صفات متعددة كذلك لا يمكن حصرها واختزالها في صفة واحدة. أذكر منها صفة النوع البيولوجي (الجنس) وما يحمله من تنوع نراه في حجم وأشكال الأعضاء الجنسية، وصفة النوع الاجتماعي (الجندر) وما تحمله من تنوع ثقافي وأدوار مختلفة حسب بيئة الفرد، وصفة هوية النوع الاجتماعي وما تحمله من اختلافات كبيرة بين الأفراد في شعورهم بها، صفة الميول الجنسي وطيف الميول الجنسي، وصفة التعبير عن الهوية الجنسية، وكذلك التنوع الكبير في الممارسات الجنسية والرغبات المختلفة بين الأفراد والتي تترجم بناء على تداخل معقد لكافة تلك الصفات وغيرها من الصفات غير الجنسية.

الأمر يعود إلى المعرفة، ولا خوف من المعرفة، ولا داعي للهلع من محاولة الغرب فرض انحلالهم الأخلاقي علينا. على العكس علينا بشكر هذه الشركات العالمية لمساهمتها في رفع المعرفة ودعوتها إلى الانفتاح وتقبّل الآخر واحتضان الاختلاف. وتقبّلنا لذلك لا يعني تخلينا عن هويّتنا العربية ولا هويّتنا الدينية مهما كانت هذه الهوية، بل ترسيخاً لهذه الهويّات بمبادئها الإنسانية التي ترفض النفاق وتستنكر الجهل ولا ترحب بالكراهية.

أدافع عن حريات الاسلاميين و حقهم بالتنظيم و الدعوة و التظاهر و الاعتصام.. فهل يدافعون عن حرياتي؟


أدافع عن حق الاسلاميين بالوجود

 أعجبتني رسالة صديقتي رزان في هذه التويت عندما أعلنت عن انها تجد نفسها اليوم تدافع عن حق الاسلاميين في الوجود بعد الاعتداء على مسيرتهم الأمس في المفرق و حرق مقرهم. هي تتساءل ان كان الوضع معكوسا, هل يا ترى سيدافع الاسلاميين عن حقها في الوجود؟ و لربما تقصد هنا وجودها كامرأة حرة ذات أفكار و ميول لبرالية.

و أنا على نفس المنوال, و مع أنني بالعادة أختلف من الطروحات الاخلاقية التي يحملها هذا التيار, وعلى استعداد لمحاربة امتداده السياسي بكل الطرق المشروعة, فانني أجد اليوم نفسي أرفع صوتي هنا في هذه المدونة لاستنكر الهجوم الذي طال هذه الجماعة في المفرق أمس. استخدام العنف مرفوض للتصدي لدعوات أي مواطن أردني بغض النظر عن خطورة الأفكار التي يحملها و ينادي بها. أنا لم أفهم تسارع وسائل الاعلام في اطلاق لقب “أهالي المفرق” على فئة الأشخاص المعتدين, فليس من المعقول أن الذين خرجوا للشارع و رموا الحجارة و حرقوا المقر هم كل “أهالي المفرق”. كما أنني متأكد من وجود بعض من شباب, من أهل المفرق, ممن ينتمون لجماعة الأخوان المسلمين.

Continue reading →