نعمة الأمن والأمان


لم أشعر بتهديد قد يقضي على حياتي أو حياة من أحب في لحظة خاطفة سوى في مرحلتين زمنيتين قصيرتين خلال حياتي في عمان: الأولى خلال حرب الخليج الأولى وتجارب صفارات الإنذار ونشر اللاصق البني على شبابيك المنازل خوفا من امتداد الحرب إلينا، والثانية بعد تفجيرات عمان الإرهابية والخوف من تكرار العملية بشكل عشوائي في أية منطقة أخرى في المدينة. أعتقد بأنه خلافا عن ذلك وإن وضعنا الحوادث الخاصة والأمراض جانبا، فإنني في الغالب شعرت بشيء من الأمان على حياتي وحياة من أحب.

في المقابل، وكغيرنا العديد من الأسر الأردنية، كان هنالك دوما شيئا ما يرافقنا من الخوف الإقتصادي. لربما هي طبيعة عمل والدي المبينة على القروض البنكية وحالة الإقتصاد الأردني الصعبة والتي تدهورت بعد الأزمة الإقتصادية العالمية والربيع العربي. قد أكون من أصحاب الحظ الجيد لأن والدي اجتهدا لتعليمي تعليم جيد في مدرسة خاصة أنا وإخوتي ولكن ذلك كان على حساب أمانهم الإقتصادي ورفاهية عيشهم، فنحن اليوم وحتى بعد تخرجي وعملي لأكثر من عشر سنوات لم نستطع التخلص من القروض البنكية، كما أن اجتهادي بالبدء بمشروع خاص يزيد من دخلي باء بالفشل. حتى دراستي في بريطانيا اليوم فلم تكن لتتم لولا البعثة الدراسية التي يقدمها مكتب الكومنولث البريطاني للمميزين من الأردنيين كل عام، وبصراحة كنت على وشك رفضها لأنها تعني انقطاعي عن العمل ومساعدة عائلتي لمدة سنة كاملة في وقت حرج نمر فيه.

لكنني كنت دائما، ومازلت من الناس المتفائلين بمستقبل أفضل، فالفرص التي كانت تفتح في الإقتصاد الأردني كانت تمدني بالأمل لتحقيق أمان إقتصادي أفضل. أفهم التذمر والواقع اليوم مع التراجع الإقتصادي الحاصل والهزة السياسية التي تعرض لها الأردن مع الربيع العربي والتي مازالت تداعياتها تتفاقم مع تفاقم الأزمة السورية، ولكني لا أفهم الدافع الإجتماعي بين الناس للهدم والدمار. لا أفهم التزايد المستمر في التهكم على نعمة الأمن والأمان والسلبية المطلقة التي تؤسس إلى تفكيك الإنجازات التي تم تحقيقها في هذا البلد. في الحقيقة فإن المشهد السوري مرعب جدا، وكذلك هو المشهد العراقي والفلسطيني، والمشهد اللبناني يدعو إلى القلق وكذلك المصري والتونسي والليبي. المنطقة كلها تمر في حالة من الجنون والصراع على السلطة لم يكن يوما في هذه الشدة. نحن بأمس حاجة إلى أصوات تحكم العقل بعيدا عن شطحات مراهقة تقاد بطاقة سلبية وبرغبة في الهدم.

للأسف، الميراث الشعبي لا يساعد هنا، فالأمثال مثل تلك التي تقول “إذا ما خربت ما بتعمر” تزود الشباب الطائش بطاقات بدافع الهدم دون تفكير بعواقب الأمور. فالحجة بغياب الأمان الإقتصادي قد تحمل الكثير من الصحة ولكنها ليست مبررا للهدم، فالفوضى لن تأتي علينا بأمان إقتصادي، وكذلك فإن أكبر المتضررين من الحروب والقلائل هم الفقراء من عامة الشعب. من السهل على الغني نقل أمواله وأشغاله إلى الخارج أن تدهورت الأمور، وقد يكون أسرع من يهرب خلال الأزمات التي تمر فيها البلد.

قد يسيطر علينا دافع الموت الذي عرفه فرويد عند الأزمات، ولكن علينا أن نعي بأن مستقبلنا في أيدينا وبأن الحل لا يكمن في الهدم أبدا، بل في الإصلاح والترميم والبناء. قد تسقط مؤسسات الدولة في الفساد ولكن الحل في خلق جسم محاسبة يعيد الأمور إلى نصابها وليس في هدمها وتفتيتها.

أخاف أن يتحقق المثل الشعبي الآخر والذي يقول “جاجة حفرت على رأسها عفرت”. وياريت نحكم عقولنا في هذه الفترة الحرجة لمستقبل أفضل للجميع.

يوم العتمة الالكترونية والنضوج الشعبي


يوم العتمة الالكترونية في الاردن

مشاعر مختلطة انتابتني في يوم العتمة الالكترونية في الاردن. من جهة شعرت بالحزن والغضب لمحاولات تقنيين الحريات الانترنت ومن الجهة المقابلة شعرت بالفخر لمشاركتي حس المسؤولية، روح الجماعة، والتعاضد الإلكتروني لمختلف القطاعات الإلكترونية والناشطين الإلكترونيين لنصرة الحريات: حرية التعبير وحق نقل والوصول إلى المعلومة.

هذه النصرة الإلكترونية هي نتاج عمل سنوات من الانفتاح على الفضاء الإلكتروني الذي أسس لواحدة من أهم الصناعات الوطنية وإحدى قصص النجاح القليلة التي باتت تشعرنا بفخر كبير وأمل بمستقبل أفضل طالما حلمنا به لهذا الوطن. لم تذهب كل تلك السنوات هباءا، فالوعي الاجتماعي أثمر اليوم.

Continue reading →

نفحات صيفية لربيع عربي اجتماعي


كم تكلمت عن خوفي على الحقوق الاجتماعية والحريات الفردية في السنوات الماضية. وكم تضاعف هذاالخوف مع قدوم الربيع العربي وتعاظم نفوذ الحركات الأسلامية السياسية في الدول العربية. وكم أرعبتني الحراكات الشعبية المطالبة بمزيد من القيود الاجتماعية خلال العام الفائت. لكن كل ذلك التلاطم في مواجهة الزخات الرعدية للربيع العربي أسكنه بصيص أمل من نفحات صيفية حملتها الأيام القليلة الماضية صفحات الفيسبوك. ذلك الموقع الالكتروني الذي أضحى أفضل مراَة اجتماعية اليوم.

قد يشعر المرء بالاشمئزاز وضعف الحيلة لردة الفعل المخيفة والتعليقات المحزنة على صفحات الفيسبوك والمواقع الالكترونية لأول سلسلة نسوية تطرق الشارع الأردني. تلك السلسلة التي جاءت نتيجة تعاون لأربعة حملات نسوية تحارب جرائم الشرف، قانون تشجيع الاغتصاب المخزي ٣٠٨، التحرش الجنسي، وحق المرأة في توريث جنسيتتها، حملت لافتات صادمة للعديد من أفراد هذا المجتمع الذي تعودنا نعته بالمحافظ. ردات الفعل، وان كانت قبيحة، الا أنها لا يجب أن تصدم احدا. كان علينا أن نتوقع مثل تلك الردود من مجتمع تأصلت فيه الذكورية وتعود على لون واحد وشكل واحد من أشكال التفكير. في ميمعة مواجهتنا لموجة ردود الفعل نسينا أهمية الحدث الذي تم. نسينا الاحتفال بهذه المجموعات النسوية الجريئة التي تحمل في طياتها أشعة شمس ساطعة تبشر بصيف عربي حقيقي. لأول مرة في تاريخنا الحديث، لم تعد الدولة تحمل عصا الفكر المحافظ، لأول مرة أصبح لدينا مساحة في الشارع للتعبير عن أفكار مختلفة حتى ولو كان الجدار الفكري المحافظ متعشش في عقول الاغلبية.

Continue reading →

الفيزون، احد ضحايا الربيع العربي


يبدو ان التحول الديمقراطي للربيع العربي يترجم بحرفية حكم الأغلبية دون اية دعائم طورتها الشعوب الاخرى على مدار مئات من السنين للوصول الى ديمقراطية فعالة تجمع بين حكم الاغلبية وبين حقوق الاقليات والحقوق الفردية والحريات الاجتماعية. مع صعود التيارات الاسلامية في الدول العربية، ازدادت المخاوف على الحريات الاجتماعية في هذه الدول نظرا للخطاب الديني المميز لهذه التيارات التي تعطي ثقلا لرأي المجموعة حساب حاجات الفرد واختياراته من منظور ديني معين.

في الأردن بدأنا مؤخرا بمشاهدة نشاط الحراك الاسلامي بعدة أشكال تحمل رايات أخلاقية مبنية أساسا على الجنس والجندر وتؤسس لبدايات تحديد وتقنين للحريات الفردية. من الحملة المدعومة من قناة الحياة ف. م. الدينية للطلب من الحكومة حجب المواقع الاباحية في الاردن، الى حملة الدعوة الى الحجاب لطالبات كلية الشريعة في الجامعة الاردنية “انت ملكة”، الى خبر اليوم بمنع ارتداء الفيزون في الجامعة الهاشمية.
Continue reading →

حرية التعبير يجب ان تقدس، العنف ممنوع، و تفاصيل الحراكات الشعبية مطلوبة للعلم


مضى أكثر من عام على الحراك الشعبي الذي تخلله قصص عديدة و أحداث محزنة و انتصارات سياسية للبعض و خسارات سياسية للبعض الاخر، كما تخلل العام الماضي الاسراع في عملية الاصلاح و فتح باب التحقيق في قضايا فساد عديدة و متابعة  ما سميو بالفاسدين بما حمله من ظلم للبعض و تحقيق العدالة للبعض الاخر ايضا.

كل مظاهرة او اعتصام او اضراب حصل العام الماضي حمل الوضع العام المزيد من التوتر. و مع كل عنوان مقال مثير في صحيفة، كان صحيحا ام لا، كان التوتر يتغلغل في نفسي و يشعرني بالخوف كل يوم من فلتان الامور و اتجاهها المتزايد نحو الفوضى و ما يحمله ذلك من خسارة للجميع.

مع أنني أحمد الله على القرار الحميد للحكومة في التعامل السلمي مع كل تلك المظاهرات التي لولاها لكانت الاوضاع تفجرت منذ زمن لكنني كنت أخشى كل مرة من خطأ قد يرتكبه أحد ممثلي الدولة، و قد حصل العديد منها، قد يصعد الامور و يزيد من خطورة الوضع. لكنني كنت الحظ ايضا بعض المحاولات او لنقل الاحداث التي ربما تكون بريئة او لا التي حاولت تفجير الاوضاع في اوقات مختلفة كقصص حرق بعض الرجال انفسهم في محاولة لنقل التجربة التونسية و مؤخرا طعن احدى الناشطات في الحراك الشعبي ايناس مسلم

Continue reading →

أدافع عن حريات الاسلاميين و حقهم بالتنظيم و الدعوة و التظاهر و الاعتصام.. فهل يدافعون عن حرياتي؟


أدافع عن حق الاسلاميين بالوجود

 أعجبتني رسالة صديقتي رزان في هذه التويت عندما أعلنت عن انها تجد نفسها اليوم تدافع عن حق الاسلاميين في الوجود بعد الاعتداء على مسيرتهم الأمس في المفرق و حرق مقرهم. هي تتساءل ان كان الوضع معكوسا, هل يا ترى سيدافع الاسلاميين عن حقها في الوجود؟ و لربما تقصد هنا وجودها كامرأة حرة ذات أفكار و ميول لبرالية.

و أنا على نفس المنوال, و مع أنني بالعادة أختلف من الطروحات الاخلاقية التي يحملها هذا التيار, وعلى استعداد لمحاربة امتداده السياسي بكل الطرق المشروعة, فانني أجد اليوم نفسي أرفع صوتي هنا في هذه المدونة لاستنكر الهجوم الذي طال هذه الجماعة في المفرق أمس. استخدام العنف مرفوض للتصدي لدعوات أي مواطن أردني بغض النظر عن خطورة الأفكار التي يحملها و ينادي بها. أنا لم أفهم تسارع وسائل الاعلام في اطلاق لقب “أهالي المفرق” على فئة الأشخاص المعتدين, فليس من المعقول أن الذين خرجوا للشارع و رموا الحجارة و حرقوا المقر هم كل “أهالي المفرق”. كما أنني متأكد من وجود بعض من شباب, من أهل المفرق, ممن ينتمون لجماعة الأخوان المسلمين.

Continue reading →

ان كان على الربيع العربي أن يبدأ بشتوى, فلربما وجب المطر لازدهار ثمار سماء صيف صافية


فازت الأحزاب الاسلامية في الانتخابات في كل من تونس و المغرب, هي في طريقها الى الفوز في مصر, كما انها تحمل لواء الثورة في سوريا و تعمل بفعالية كبيرة داخل الحرك الشعبي الأردني. نحن اذا أمام ربيع عربي اسلامي لا يمكن تجاهله.

و في انتظار تتطور الأحداث داخليا في الأردن, و مع بدايات ترضية قيادات الحركة من الحكومة الحالية و توقع الانتهاء من اقرار قانون انتخاب جديد و العمل نحو حكومات برلمانية, فانه ليس مستبعد أن تحصل جماعة الاخوان المسلمين على أغلبية نيابية و تشكل أول حكومة أردنية اسلامية في السنوات القليلة القادمة.

ذلك السيناريو يبدو قريب جدا من الواقع المستقبلي و هو في حقيقة الأمر يخيفني أشد خوفا. ينبع خوفي من قلقي أولا و أخيرا على الحريات الفردية و الحقوق المدنية التي تعودناها. و ان كان يصعب التكهن بقرارات قد يحملها حكم الحزب الاسلامي الا أنه و من قراءة التوجه الفكري الحالي لتلك الجماعات فان القلق على الحريات الفردية يبدو منطقيا. ما يهمني بشكل خاص هو حريات المرأة الأردنية و قدرتها على مقاومة فكر يقيد من حركتها, طريقة لباسها, تعاملها مع الجنس الآخر, جنسانيتها, و حياتها الشخصية و العملية بشكل عام. يخيفني العودة الى قيود أكبر تحدد العلاقة العامة بين الجنسين بشكل أسوأ مما هي عليه اليوم.

Continue reading →