أردت أن أحضنه بدلا من أن أتركه يحضنني. مررت أصابعي على شعر رأسه بحنان وأنا أفكر بطبيعة علاقتنا وبعدم توافقها مع الشكل العام للعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في الثقافة العامة. فكيف لرغباتنا أن تكون بهذا التناقض مع المقبول والمتعارف عليه اجتماعيا؟ ولماذا تشجّع الثقافة العامة كل النساء للخضوع لرجالهن بالجنس وخارج الجنس في حين يوجد العديد من الرجال الذين يثيرهم العكس؟ والغريب أن لا أحد يذكر ذلك وكأن صفة الهيمنة مرادفة للرجولة وكأن الخضوع سمة الأنوثة الأكبر.
رواية ليلى والحمل
سعيد جداً بصدور روايتي الجديدة “ليلى والحَمَل” عن دار كتب خان في القاهرة الأسبوع الماضي. فبعد حوالي سنتين من الكتابة وسنة ثالثة من البحث عن دار نشر مستعدة لنشر ومساندة لكتاب بهذا المحتوى وبعد أشهر انتظار عملية التدقيق والإخراج والانتاج، ها هو الكتاب مطبوع وجاهز للبيع في مكتبة كتب خان في المعادي وموقع جملون أونلاين وقريباً في العديد من المكتبات العربية.
في الحقيقة، فبعد نجاح روايتي الأولى “عروس عمّان” والردود القوية للمواضيع التي عالجتها وعشق عدد كبير من القراء لها، وبصفتي ناشط نسوي، مدفوع إلى الكتابة بشغف تحقيق المساواة الجندرية والحريات الجنسية والحقوق الجسدية (أمور أعتقد أن مجتمعاتنا العربية في أمس الحاسة لها) فقد كنت أفكر فيما يمكن أن أضيفه في رواية جديدة تعالج هذه المواضيع دون تكرار ما تكلّمت به في “عروس عمّان”.
في ذلك الوقت كانت رواية إل جيمس “فيفتي شيدز أوف جري” منتشرة بشكل واسع، ليس فقط في الغرب بل في العالم العربي أيضاً. ولمن لم يقرأ الرواية (بأجزائها الثلاثة) أو يحضر الفيلمين المبنيين عليها، فهي تتطرق إلى علاقة غرامية بين شاب ناجح غني متسلط ومسيطر في الجنس وبين إمرأة شابة تقع في غرامة وتخضع لأهوائة وميوله بسبب حبّها له. لم يكن لدي اعتراض على الكتاب، أو محتواه، برغم تسطيح القضية في القصة، لكني شعرت بشيء من الاستفزاز لأن الثقافة العامة تؤمن بعمومية حق الرجل بقيادة العملية الجنسية وتعتبر دور المرأة سلبي في الجنس وتبني على ذلك حاجة المرأة للخضوع في الجنس وخارجه، وذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة وعن طبيعة كل من الرجل والمرأة واختلافات الفرد ورغباته الجنسية المتنوعة. ومن هنا جاءت بدايات فكرة الرواية التي أردت أن أبدأ العمل عليها.
كذلك، في ذلك الوقت أيضاَ، كنت قد حضرت فيلم بعنوان “جون جيرل“، معالج عن رواية بالإسم ذاته للكاتبة “جيليان فلين”. يطرح الكتاب شخصية إمرأة قوية، مجنونة إلى حد ما، تدفعنا للإعتقاد أنها ضحية جريمة قتل قام بها زوجها تجاهها، إلى أن نكتشف في نهاية الرواية بأن المرأة هي من خطط كل شيء بغرض التحكم والانتقام من زوجها. أعجبتني نهاية الرواية جداً، حيث يرضى زوجها بالعودة لها بعد أن تحمل بطفله، بما يعد طرح جديد للأدب حيث يضحّي رجل مظلوم معرض للتعنيف والأذى بحريته من أجل أبنائه.
استفزّتني تلك الرواية بالتفكير في طرح شخصية إمرأة قوية قد تكون هي المؤذية في علاقتها مع الرجل، لما لا؟ فهنالك نماذج لتلك النساء على الواقع. ومع بعض التفكير، بت أعتقد أن ٣٠ عاماً من النضال النسوي تحت خطاب يقر بأن المرأة “ضحيّة” قد يكون رسّخ فعلاً شيئاً من الوعي الثقافي فينا يقر بأن المرأة ضعيفة. وأنا لا أنكر هنا الأفضلية التي تمنحها مجتمعاتنا لذكورها ولا حقيقة ظلم المرأة في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والقانونية والأدبية والثقافية وغيرها، لكني أعتقد أننا، كنسويين، علينا تجديد الخطاب للتركيز على قوة المرأة وعلى قدراتها المختلفة كإنسانة. ولربّما، في وقت تضخّمت فيه الذكورية إلى حالات راديكالية متوحشة جسدتها داعش في المجتمعات التي حكمتها، فإن الوقت بات يتطلّب والمساحة أصبحت تستعدي وجود خطاب راديكالي نسوي.
قرأت كذلك رواية للكاتبة الكبيرة حنان الشيخ إصدار دار الأداب اللبنانية بعنوان “عذارى لندستان“، وقد فاجأتني حنان بجرأة شخصياتها التي تصل إلى درجة الوقاحة. كيف تتلاعب إحدى الشخصيات النسائية في روايتها بالرجل المتدين الذي تمارس الجنس معه بحيث تجعله يعتقد أن عذزيتها عادت إليها بعد كل عمليّة جنس يقومان بها عن طريق وضع حبة فراولة في فرجها، تهكّماً من الكاتبة على هوس الرجل العربي المسلم في الجنس والعذرية وحور العين. شعرت بالرواية تحمل شيئاً من التطرف استوحيت بعضاً منه في كتابة روايتي.
أما الرواية الأبرز التي عرفتني على هذا النوع من الأدب الذي يندرج تحت نوع الأدب النسوي المتطرف فهي للكاتبة أنجيلا كارتر بعنوان “ذا باشن أوف نيو ايف” (شغف حواء الجديدة). حيث تطرح في الرواية مجتمعاً نسائياً، وليس نسوياً، خالصاً، تسيطر فيه النساء بهرمية ذكورية وتعاقب فيه رجل كاره للمرأة بتحويل جنسه بعد عملية جنسية إلى أنثى وتركه يتعرض لما تتعرض له النساء في العادة من اعتداءات وأذية. أحببت الرواية جداً لما فيها من فكر وابداع وطرح.
في “ليلى والحمل” أردت أن أكتب رواية نسوية متطرفة تحاكي كل ذلك ولا أعرف إن نجحت في ذلك أم لم أنجح. فليلى في الرواية إمرأة أردنية لديها رغبة في قيادة العملية الجنسية والسيطرة على رجلها، وذلك شيء طبيعي لا متطرف، لكني وجّهت الرواية نحو معاقبة الشخصيات الرئيسية من الذكور وذلك ليس عقاباً للرجال أو كرهاً لهم من ناحيتي، بل عقاباً للفكر الذكوري والكشف عن ظلمه للمرأة والرجل على حد سواء.
كانت القصة الأبرز التي علْمونا إياها في طفولتنا تحمل اسم “ليلى والذئب“، وبالرغم أن الذئب في القصة لا يمثل الرجل (أو يمثله؟ لا أعرف) لكن القصة زرعت فينا فكرة أن ليلى ضعيفة وبحاجة إلى حماية. لذلك أردت أن أتحدى ذلك وأضيف صوتاً مختلفاً يحول القصة إلى “ليلى والحمل”.
فليلى تستحق ذلك.. والرواية العربية تستحق هذه النماذج.. والثقافة العربية بأشد الحاجة إلى إعادة التوازن بين الجنسين وتقبّل التنوع الجنسي الموجود على الأرض.