
Month / September 2015


رؤيا لم تخطيء.. التوعية الجنسية مطلوبة ولو في برامج فكاهية ساخرة
من المحزن أن يؤدي الرهاب الجنسي في الأردن إلى قتل كل ما هو جميل وناجح في هذا البلد. نتفهم الخوف من الجنس في ظل غياب توعية جنسية في المدارس، سياسة فصل الجنسين في المدارس، وثقافة شعبية تربطه بالشرف. ولكن الهوس في تحديد جنسانية الفرد وتجنّب الخوض في الأمور الجنسية في النطاق العام (للبالغين) تضخمت لتطال كافة جوانب الحياة الطبيعية الأخرى، وأضحت حجة لقمع أبسط أشكال التعبير من فنون وموسيقى وطريقة ارتداء الأفراد لملابسهم ولهجتهم وطريقتهم بالكلام والحركة. ومن الطبيعي، في مجتمع تضخمت فيه الذكورية، أن تدفع المرأة والأقليات ثمن التراجع الثقافي والبلطجة الشعبية.
فالفيديو الذي تم عرضه على قناة رؤيا، وفيه ايحاءات جنسية، مطلوبة في سياق نقد الرسائل الجنسية في برامج الأطفال، لم يكن ليقابل بمثل هذا الغضب الشعبي لو لم تكن مقدمة البرنامج فتاة. فترسيخ المرأة على أنها سلعة جنسية في كافة البرامج التلفزيونية والدعايات والأغاني العربية والأجنبية منع المتلقي من رؤية الرسالة النقدية من خلف البرنامج، ليقرأها على أنها مقدمة كإثارة جنسية من قبل مقدمته. فلو كان المقدم رجل، لما هبّ من هب ليدافع عن محافظة المجتمع المزعومة. فالرجل مسموح له بالتعبير عن جنسانيته، كان ذلك في الشارع، أو البيت، أو أية مساحة خاصة أو عامة، ومجتمعنا يجب أن يعرف بأنه مجتمع ذكوري لا مجتمع محافظ. حجة أنه مجتمع محافظ تستعمل فقط لتقنين جنسانية المرأة وتحديد حرياتها وحركتها. كذلك فإن الأصوات الطائفية التي ربطت مقاطعة القناة ب”الإسلام” ونعتت مالكها بأنه “نصراني” (لا يوجد نصرانيين في الأردن، هنالك مسيحيين). تدل على دفع الأقليات ثمن التراجع الإجتماعي والتضخم الذكوري.
وبالعودة إلى البرنامج موضوع الطرح، ونقده الموضوعي، ووجود ايحاءات جنسية به. ما هي طبيعة الإيحاءات الجنسية التي وجدت في البرنامج؟ المقدمة لم تقم بأي تمثيل يدل على إغراء أو أي حركة في وجهها أو جسدها أو حتى في لباسها تدل على رغبتها في إثارة المشاهد جنسيا. كل ما قدمته هو قراءة لقصة تهدف إلى توعية المشاهد إلى وجود بعض الإيحاءات الجنسية في المواد المقدمة إلى أطفالنا. فالبرنامج لم يقدم “ايحاءات جنسية” كما زعمت الصحافة، بل قدم نقدا مباشر لتلك الإيحاءات الجنسية في قصص الأطفال. فلو قدم البرنامج “ايحاءات جنسية” حقيقية، بمعنى لو قلدت المقدمة هيفاء وهبي مثلا في فيديو كليب “بوس الواو” لما كانت ردة الفعل بهذه القوة. وذلك يذكرني بردة الفعل الشارع “المحافط” (اقصد الذكوري) لحملات التوعية بمرض نقص المناعة، فالتوعية بطرق الوقاية من المرض مرفوضة ولكن تجاهل انتشار الجنس غير الآمن مسموح! وهذا يدل على تناقد صارخ في الفكر الذكوري يغطي عن تفشي آفات اجتماعية عميقة طالمة قشرة “المحافظة” براقة وتحمي الميزات التي ينالها الذكر في هكذا مجتمع.
ولكني أتساءل هنا، متى سيتصالح الأردنيون مع جنسانيتهم؟ ومنى تكف تلك الحساسية في التعامل مع احدى أهم الصفات التي تعرف الإنسان؟ متى سننضج ونحسن التعامل مع الإنسان؟ اليست الايحاءات الجنسية اليوم أفضل من ايحاءات العنف والكراهية والقتل؟ وأين المشكلة إن كانت تلك الايحاءات تقدم لكبار بالغين متصالحين مع أنفسهم ومع طبيعتهم وهويتهم الجنسية؟
لم يكن على رؤيا الإعتذار، بل كان عليها أن تنتهز الفرصة وتقدم لنا برامج أخرى ترفع من الوعي الجنسي وتصالح المجتمع مع الجنس، ولو قدمت هذه البرامج بشكل فكاهي ساخر أو ترفيهي.
نحتاج اليوم إلى ثورة جنسية تعيد الحيوية إلى المجتمعات العربية، فقمع الحقوق الجسدية والحريات الجنسية يعد من أكبر الأبواب اليوم التي تستغل لقمع الفرد العربي. وصحية المجتمعات تبدأ بتصالح المرأة مع الرجل وتصالح الإنسان مع جسده.