قصة من وحي الواقع.. لا للاعدام


أخيرا جاء يوم القصاص، يوم الحساب، يوم الدفع، يوم أن يحاسب ذلك المجرم على ما اقترفته يداه. هو لم يقتل ابنتي فقط، بل قتلني أيضا وقتل أباها وأخاها وكل من تحب معها.

لم أعرف النوم ليلتها وأنا أعد الساعات بانتظار هذه اللحظة. جلست على مسافة منه وهم يحضروه، وكم تمنيت لو أكون أنا بينهم، أنظر إلى عينيه وأرى فيهما ذلك الخوف الذي تركه في عيني سهى يوم خطفها من بين أيدينا. كم تمنيت لو كنت أنا من حضر ذلك الحبل الملقى من السقف، لو كنت أنا من لففته حول رقبته وسحبت الكرسي من تحت أقدامه ووقفت إلى جانبه وانتظرت انسحاب النفس منه ببطء بستحقه من هم أمثاله. لو كان الأمر بيدي، لكنت أرجعت الروح له بعد أن تخرج من جسده وأعدت الكرة مرة وثانية وثالثة لعلها تشفي غليلي وتريح روح حبيبتي.

لكني وقفت بعيدا، بين أذرع زوجي، أنظر إليهم يعدموه بقسوة رسمتها على وجهي أردتها بنفس القسوة التي ملأته حين نفذ جريمته.

على مسافة مني، وقفت والدته، تصرخ بهستيرية، متوسلة إلي أن أسقط حقي، “عبد مظلوم، والله عبد مظلوم.. ابني ما بقتل.. ما تحرميني منه”

تجاهلتها، كما تجاهلتها من قبل حين حضرت عشرات المرات تقبّل من يدي وتترجاني العفو. كيف لي أن أعفو وأنا التي لن يشبعني روحه؟ كيف لي أن أعفو وأنا التي تمنيت لو ألف ذلك الحبل على رقبته ورقبة أمه وأباه وأخوته وكل من عاشر ذلك المجرم.

تركتها تصرخ وتتضرع وتولول وأنا أتابعهم يقودونه مغطى الرأس ويلفون الحبل حول رقبته. شاهدتها تنهار وتقع أرضا غائبة على الوعي حتى قبل أن ينفذ ولدها الفاظه الأخيرة ويدفع ثمن فعلته.

تركتها يومها تتعذب كما عذبتني، ولكن عذابي من بعدها لم يخف، رافقني لسنوات عديدة كنت أحاول بها أن أخبر طفلتي أن قاتلها قد دفع ثمن فعلته. كنت أتخذها حجة لأرى روحها أكثر راحة بعد أن تحقق العدل.

لكن ذلك المرهم الذي كنت أضمد به جراحي لم يصمد أمام ظلم الدنيا، فها هي المحكمة تعيد التحقيق بالقضية مدفوعة بشغف والدته وايمانها ببراءة ولدها. ها هي تهزني وتقتلني مرة ثانية وثالثة ورابعة بإقرارها بأن الأدلة الجديدة تبين أنه لم يكن قاتل ابنتي وأن القاتل الحقيقي مازال حيا يرزق طليقا بيننا.

كدت أنهار حين جاءت لزيارتي وبيدها قرار المحكمة ببراءة ابنها. رمته في وجهي وصرخت صرخة كنت أعرفها جيدا. شعرت بأني أنا القاتل يومها. أنا المجرم. أنا الفاقدة للإنسانية. كيف لي أن أذيق امرأة أخرى نفس الكأس المرة التي شربتها؟ كيف سمحت لنفسي بتعذبيها بنفس الطريقة التي عذبت أنا بها؟ وهي، بريئة، مثلي مثلها، لا ذنب لها ولا حول ولا قوة.

شعرت بطفلتي بالسماء، ساخطة، غاضبة علي، وكأن روحها لم تهدأ سوى اليوم حين ظهر الحق. وشعرت بنفسي أصرخ وأصرخ وأصرخ “آخخخ من الظلم.. آخخخ.. من الدنيا”

Do you have something to say?

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s