تصيبني بالدهشة المواقف السياسية للأفراد من حولي في ميمعة الربيع العربي. كل يحمل تحليل معين و كل يحمل فكر معين. وجهات نظر متضاربة تحمل أبعاد تاريخية و ارثا ثقافية, تحمل مشاعر وطنية و مخاوف شعبية, و العديد من ادعاءات التخوين و نظريات المؤامرة.
في الأعوام الماضية كنت أستغرب الموقف الشعبي المحلي من صدام حسين. أستغرب تلك الرؤية التي صنفته في خانة الأبطال الشعبية بعد كل القهر و القمع و الدمار الذي سببه للشعب العراقي خصوصا و الشعوب العربية عموما. أستغرب أكثر من موقف والدي الذي يختصر كل الأحداث الفائتة و القادمة على أنها مخطط أمريكي. فأمريكا هي من صنعت صدام حسين و أمريكا هي من تخلصت منه. كما أن أمريكا هي من خطط للعنف الحاصل في العراق و هي من يخطط لتسليم الحكم في المنطقة للأخوان المسلمين كي تخلق معسكر سني أمام معسكر شيعي يسهل عليها التحكم في المنطقة لسنوات قادمة.
يبدو كسيناريو منطقي لتسلسل الأحداث, لكنني أجد نفسي ترفض هذا التبسيط في الأحداث و اختصار كافة القوة الدولية و المحلية في الدولة الأمريكية و الدول الأخرى على مر عقود عدة بكلمة “مخطط أمريكي”.
الموقف السياسي المعلن لما حصل في العراق بعد سقوط نظام صدام هو خطأ فادح في تقييم القيادة العسكرية للحالة و حلها بلا تفكير للجهاز الأمني في البلاد عوضا عن استغلاله لتحافظ على الأمن في المرحلة الانتقالية. ذلك الخطأ الفادح كلف الدولة الأمريكية مليارات الدولارات, مئات القتلى من الجنود, سخط دولي و ضغط محلي من الشعب الأمريكي للخروج من العراق بأسرع ما يمكن.
يبدو لي ذلك السيناريو أقرب للحقيقة . فأين المخطط الأمريكي بالغ الذكاء هنا لدولة تتحكم في العالم بكبسة زر عندما تتكبد كل تلك الخسائر بسبب قرار فردي من احدى قياداتها العسكرية؟ و مع أن سيناريو تلك الحرب و الماكنة الاعلامية لادارة الرئس بوش لحشد الرأي العام الأمريكي و العالمي في ذلك الوقت تطرح العديد من علامات الاستفهام, فان ذلك برأي قد يعود لعلاقة تلك الادارة باللوبي الامريكي لصناع الأسلحة و الطاقة التقليدية.
أنا لا أنكر القوة السياسة التي تحملها الدولة الأمريكية و النفوذ القوي الذي تستخدمه في تشكيل العالم, لكنني أرفض الادعاء بانها قوة مطلقة تنفذ مخطط واحد. في النهاية فان من يحكم هم أفراد يتفاعلون مع محيطهم حسب تسلسل الأحداث القائم و تناسبها مع المصالح العامة للشعب الأمريكي و القوة المختلفة على الصعيد الداخلي و الخارجي.
لكن والدي يعود بالمخطط الأمريكي الى خمسينات القرن الماضي و يكمل رسم بدايات سيناريو المخطط بالرغبة الأمريكية في طرد النفوذ البريطاني و الفرنسي من المنطقة و الحلول محلهما. فالحس القومي للشعوب العربية, كما هو اليوم في الربيع العربي, من وجهة نظره, ما هو سوى نتاج للمخطط الأمريكي. فعبد الناصر, البطل القومي للشعوب العربية هو صناعة أمريكي بحتة لاحكام السيطرة على المنطقة, كما ان تنفيسه في حرب ال67 ما هو سوى مخطط أمريكي أيضا.
ذلك المخطط الأمريكي فشل بشكل جزئي في ذلك الوقت في قلب نظام الحكم الأردني. فالحكم في الأردن تابع للدولة البريطانية التي أحسنت التخطيط مع القيادة الأردنية. فالملك حسين, تعاطى مع الثورات الشعبية بفتح باب الديمقراطية كي تظهر قيادات تلك الحركات و بدهاء سياسي قضى عليها.
و اليوم الربيع العربي هو استمرار للخطة الأمريكية. فاحتلال طرابلس كما يظهر في هذا السيناريو ما هو الا سيطرة على آبار النفط و التجييش الاعلامي لاسقاط النظام السوري ما هو سوى متابعة للمخطط. حركة الشعوب العربية كلها تتبع و بشكل مدروس لخطة جهنمية مرسومة منذ عقود مضت و لعقود قادمة!
أنا أجد نفسي أقرب لرأي الملك عبدالله في مقابلته الحديثة مع البي بي سي. فلا أحد يعلم بالغيب و لا أحد يمكن أن يتوقع السيناريو القادم في سوريا. الاعلام الغربي سارع باطلاق كلمة الربيع على الثورات العربية و نجح بتأطيرها بقصة شعوب تبحث عن الديمقراطية. فالديمقراطية هي مطلب دولي للشعوب الغربية ترى بها مصلحتها و مصلحة الشعوب الأخرى. لكن الأمر على الأرض مختلف و صراع القوى للسيطرة على الحكم هو صراع قوى محلية تتفاعل مع القوى العالمية.
لربما وضع اسم للثورة و تأطيرها برغبة الشعوب في الديمقراطية هو أكثر قوة و تأثيرا من أي مخطط امريكي مزعوم. و لربما تسارع الاعلام الغربي برؤية الربيع العربي هو ما قد ينقذ تلك الثورات و يجعلها فعلا ثورات ربيعية بغض النظر عن كل القوى المؤثرة الأخرى
“لكنني أرفض الادعاء بانها قوة مطلقة تنفذ مخطط واحد”
أوافقك تماما ً ، كفانا استخداما ً لشماعات و قوالب جاهزة!
أتذكر كيف كان كثيرون يتصايحون أن سفارات أميريكا هي المحرّك “الوحيد” لما يحدث!
—-
إبراهيم: ممكن طلب صغير … بتقدر تكبر حجم الخط مستقبلا ً إذا سمحت ، لأنو عيوني واوا صاروا :]
LikeLike
مين ابراهيم؟
🙂
كبرتوا.. أحسن هيك؟
LikeLike
شايف كيف عيوني كانو بوجعوني! صرت أكتب إبراهيم بدل فادي!
لوول
—
أشكرك 🙂
LikeLike
شكرا الك هيثم.. بضل انسى اكبر الخط العربي
LikeLike
البعض يفضل ان يؤمن بالقوة المطلقة للولايات المتحدة على ان يؤمن ولو للحظة بقدرة المظلوم على الوقوف في وجه الظالم.. شكرا الك فادي
LikeLike
أخ بس لو هالثورات نتج عنها حكم علماني بحت وعدم نجاح لأي فريق إسلامي، حتحكي يا ترى نفس هالحكي.
LikeLike
أعتذر جملتي السابقة موجهة للي بؤمنو بانها مؤامرة بسبب انها ما انتجت انظمة علمانية أو يسارية زي ما بدهم
LikeLike
I agree with you and If we,arabs stayed disunited it won’t be just a ”ربيع”…,but let’s hope the finest. 🙂
LikeLike
There are too many conspiracy theories out there! It has become very confusing.
LikeLike
عبد, لا أعتقد بأن استنتاجك صحيح. أبي يعتقد بأن أمريكا تحمل القوة المطلقة بغض النظر عن نتائج اليوم. فهي من صنعت بن لادن و الحركات الاسلامية في المنطقة..
LikeLike
أخي العزيز فادي، مقالة رائعة وتشكر عليها،،،،رأيي المتواضع والذي لا يقلل من حجم مقالتك هو أنه لا ينكر أبدًا وجود دور لأمريكا في المنطقة لفترات ماضية، لكن الآن الوضع تغير كثيرًا فهناك قوى إقليمية ظهرت على السطح السياسي: إيران، تركيا وروسيا فتحولت القوة الأحادية إلى قوى ذات رؤوس متعددة وأمريكا قد تحرص على إضعاف البقية لكنها بالطبع تبقى مجاملة مع غيرها لكي لا يستأثر أحد بدورها.
أعتذر على التطفلن وأشكرك على هذه المقالة الإستقرائية الجميلة أخي فادي ولي عودة لقراءة بقية المدونة أخي الحبيب.
أخوك سعود المحمود
LikeLike
في اعتقادي ان اي ادعاء لباحث او مخلل بدون مؤشرات او معلومات وحقائق يجعل الباحث يفقد البوصلة ففي اعتقادي ان ادعاء ان الزعيم عبد الناصر صناعة امريكية هو ادعاء لم تجراء حتي اعدائة علي ترديدة لان هناك جقائق جاثمة علي الارض تنفي ذلك انا شخصيا اعتبر ذلك قصور في وعي الكاتب الذي يعتمد في مقالة علي الكلام المرسل
LikeLike
Re: Arab Spring: I cannot speak for my government, but the people of America wish you only peace and prosperity. رد: الربيع العربي: لا أستطيع أن أتكلم عن حكومتي، ولكن الناس من أمريكا أتمنى لكم السلام والرخاء فقط.
LikeLike