غريب كيف انتقلت “النسوية” عندنا، من المطالبة والمشاركة الكاملة، حتى في الحروب وامتشاق السلاح، وكل المخازي، إلى التنصل من هذه المخازي وإلصاقها بالرجل وحده، وتصوير المرأة كملاك لا يقل طهراً عن “العذراء”. دخيل رجليك يا عدرا…!
مثير للإهتمام النقد لفيلم نادين لبكي الجديد “هلأ لوين” الذي طرحه الكاتب محمد عمر في مدونته أمس. هو يرى بأن الفيلم قسم المجتمع بطريقة تعسفية و بشكل ساذج إلى قسمين: نساء أخيار و رجال أشرار.
فعلا، الفيلم يفعل تماما ذلك، و مع أنني أحببت الفيلم بشكل كبير لما يحمله من رسائل إنسانية و من مشاهد مثيرة للمشاعر بشكل يخرج الضحكة و الدمعة من قلبك في نفس الوقت. مشاهد تبلور الحب الأنساني و الرغبة في الحياة و الخوف من الموت و خسارة أعز الناس. كما أنني وجدت شيئا من الراحة في القوة التي أعطتها نادين لنساء القرية بحيث لم يكتفين بردات فعل سلبية، بل تكاتفن معا لمحاربة العنف المتزايد و الذي هدد نسيج مجتمعهم و حياتهم اليومية. ربما تلك الراحة نبعت من حبي لرؤية قوة تتجسد في المرأة العربية و فرحة لرؤيتها تأخذ زمام الأمور، حتى و لو كان على شاشة السينما.
أفهم وجهة نظر الأستاذ محمد، فالفيلم ربما كان ليكون أفضل لو قدم وعيا جندريا أفضل. كان من الممكن جدا إيجاد شخصيات لرجال تحمل نفس الهم النسائي في القرية بحيث يساعدوهم في كل تلك الخطط، كما أنه كان من الممكن إضافة شخصيات نسائية كريهة تحث على العنف و تشجع الفرقة. لكنني أيضا أفهم البعد الفانتازي و الكوميدي للفيلم، فهو لا يحمل فكرا نسويا كما استنتج الأستاذ محمد لاحقا في مقالته و انتقل من نقد الفيلم لنقد الفكر النسوي المحلي. الفيلم لم يكن يحمل هما جندريا بقدر حمله هما طائفيا. الإخراج الفانتازي ساعد على تضخيم و تنميط الشخصيات لأغراض فنية ساعدت في جعل الفيلم أكثر إمتاعا.
لكن لنعود لنقد الحركة النسوية، و إن كنت لا أرى أنها انتقلت من المطالبة بالمشاركة الكاملة إلى التنصل من المخازي وإلصاقها بالرجل نفسه، إلا أنني أرى بأن الناشطين في الحركة النسوية العربية يجب أن يعوا لتلك النقطة و أن لا نترك لشغفنا في الدفاع عن حقوق المرأة و حرياتها أن يتطور بشكل يشيطن الرجل.
النظام الأبوي و الفكر الذكوري الموروث أضر بالرجال كما أضر بالنساء. و إن كانت المرأة أكبر ضحاياه فإن الرجل من ضحاياه أيضا. و إن كانت الذكورية وقعت تحت رحمة العنف، فإنها لم تكن حكرا على الرجال، فكم من النساء يحملن الذكورية تحت جلدهن و في بواطن أفكارهن؟
الفكر النسوي يحارب الذكورية الموروثة بغض النظر عن جنس حاملها، كان رجلا أم إمرأة. هدفها مجتمع أفضل للجميع.
أما الفيلم فهو من أهم الأفلام العربية التي تجب مشاهدتها في الوقت الراهن، فالتوتر الطائفي و المشاعر العنصرية انتشرت بشكل مخيف في المنطقة العربية في السنوات القليلة الماضية. الربيع العربي، و إن كان يحمل أملا بمستقبل ديمقراطي و حريات أكبر لهذه البلاد، إلا أنه حمل أيضا في طياته كم كبير من العنصرية و الجهل و الكره الطائفي. الأصوات العنصرية وجدت مساحة بين أصوات الحرية. و هنا في الأردن تردد صاداها في المواقع الإلكترونية التي فتحت ذراعها و بشكل محزن لأصوات الجهل أن تضرب الوحدة الوطنية و تهز هويتنا الأردنية.
ربما يجب على الحكومة أن تتبنى الفيلم و تنشره بمبلغ زهيد لتوعية الشعب الأردني من مخاطر الإنقسام و كيفية تضخم التوتر و انتقاله إلى عنف أكبر مع تزايد مشاعر الإحتقان و الجهل.
صباح الخير فادي
اشكرك على اهتمامك وتعليقك. ما قصدته في النسوية هو الاتجاه المتطرف في النسوية العربية. التي تقع في محظور “المعاداة” للرجل.
وعلى كان يجب علي ان اكون اكثر دقة في نقد النسوية.
اما بخصوص الفيلم فانا عندي رأيي من انه قسم المجتمع بشكل تعسفي فعلا.
لكن النقطة التي نسيت الاشارة اليها، وانا عادة انسى لاني اكتب بعجلة، هو ان نادين لبكي اخرجت رجال الدين من صف “الاشرار” وهو ما اثار استغرابي اكثر.
رجال الدين لعبوا دورا مهما في تغذية الطائفية لكن يبدو ان لبكي لا تريد اغضابهم.
تحياتي
محمد عمر
LikeLike
يا صباح الورد، شكرا للتوضيح، صحيح الاتجاه المتطرف للنسوية موجود، لكنه اتجاه عالمي ايضا و ليس فقط محلي.
ربما لم ترد ندين تحميل السبب لأشخاص، و أنا أفهمها هنا أيضا، فالجهل و ثقافة العنف هي أهم الأسباب
🙂
LikeLike
ليس من الضروري ان يرسم التعبير الفني صورة معبرة عن كلية الواقع. قد تكون نادين خلقت عالم مبسط يحتوي ما تحتاجه فقط لايصال فكرتها التي قد نحتاج لاعادة مشاهدة الفيلم عدة مرات لاستيعابه. هذه احد الاحتمالات التي تحتمل الصواب او الخطاء حيث قد تكون رؤية نادين للواقع ساذجة او محكومة باعتبارات عدة ادت الى ما تنتقده.
في ما يخص موضوع الدين اظن انه في الوطن العربي حيث الغالبية العظمة مؤمنة, فان الدين يستوعب من قبل هذه الغالبية على انه خلفية للوقائع و ليس عامل او عنصر فاعل. هو فاعل بالتاكيد ولكن لايضاح الفكرة فان غالبية العرب لا تكاد ترى دينها كعنصر مستقل و انما ترى الواقع من خلال دينها كانه احد حواسها التي تكاد لا تستطيع تصور العالم بدونها!
في المقابل فان الشخص العربي يرى الديانات الاخرى بوضوح ولكن في حالة الفيلم هذا بالتحديد فان استيعاب الديانات الاخرى لا يلعب دور كبير في نظرة الشخص للجنسين و لذلك فان ابتعاد نادين عن هذا الموضوع سواء اكان لهذا السبب او غيره هو ابتعاد موفق.
LikeLike
بصراحة اليوم حضرت الفيلم ، برضو مش جدا مع محمد عمر
كتبت تديونة عن الموضوع بس مشان محمد عمر
:p
بي اس : بحب طريقة تفكيرك
LikeLike